وتوضيح المطلب : أن ذلك من فروع ما قد عنونوا في غير المقام : من أنّ ورود الأوامر العديدة [ وتعلّقها ](١) هل يوجب تعدّد الامتثال بحسب الأوضاع اللغويّة أو لا؟ إذ لا فرق في ذلك بين أن يكون مورد الأمرين طبيعة واحدة كقولك : « اضرب رجلا ، اضرب رجلا » أو طبيعتين بينهما عموم مطلق نحو قولك : « اضرب رجلا ، واضرب رجلا بغداديّا » وقد قرّرنا في محلّه : أنّ مجرّد ذلك لا يقتضي التكرار بحسب الدلالة اللفظيّة لو خلّي وطبعها ؛ لأنّ اللفظ إنّما موضوع للطبيعة المرسلة ، ولا دلالة في تعدّد الطلب المدلول بالهيئة على تعدّد الامتثال ، فظاهر اللفظ [ إنّما ](٢) لا ينافي وحدة التكليف.
لا يقال : إنّ ذلك [ إنّما ](٣) يوجب التأكيد ، والتأسيس خير منه ، بل التأكيد إنّما هو من قبيل المجاز يحتاج إلى القرينة ، حتّى أنّ بعض الأفاضل منع من حمل الكلام على التأكيد والتأسيس إذا احتمل الوجهين (٤) نظرا إلى أنّه مثل استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي.
لأنّا نقول : ليس التأكيد إلاّ اعتبارا منتزعا من الكلام بعد وروده على وجه خاصّ ، وبعد تحقّق مورده ـ كما هو المفروض من تعاقب الأمرين وتوارد الطلبين ـ يصحّ انتزاعه من الكلام من دون ارتكاب مخالفة للظاهر ، فلا وجه لقياسه بالمجاز ، كيف! وذلك قضيّة أصالة الحقيقة في اللفظ الموضوع للماهيّة.
نعم. لو قيل بأنّ ظاهر حال المتكلّم إنّما هو التأسيس كان وجيها ، مع كونه أيضا في مجال المنع ، حيث إنّه لا يستبعد التأكيد مثل استبعاد كون المتكلّم في مقام الإلغاز والتعمية.
__________________
(١ ـ ٣) لم يرد في ( ق ).
(٤) لم نعثر عليه.