الواجب العقلي هو ما يكون تاركه مذموما عند كلّ عاقل حكيم ، والحرام العقليّ ما يكون فاعله مذموما كذلك ، فالحرام العقلي لا بدّ وأن يكون ممقوتا لله ، وليس الحرام الشرعيّ إلاّ ذلك ؛ لأنّ فاعل فعل ممقوت عنده مستحقّ لعقابه ضرورة. قلت : الحرام الشرعي ما يجوز للمكلّف العقاب عليه ، ولا يكفي مجرّد الاستحقاق وإن علم انتفاؤه بسبب ما كان من إخباره بذلك (١). وأيضا بداهة استلزام المكروهيّة عند الله لاستحقاق عقابه محلّ نظر ، انتهى (٢).
وقال الثاني ـ على ما حكاه الأوّل ـ : إنّ الحسن والقبح عقليّان والوجوب والحرمة شرعيّان ، فلا ملازمة بينهما حيث قال : تنبيهان ، الأوّل : أنّ المعتزلة لا ينكرون أنّ الله تعالى هو الشارع للأحكام وإنّما يقولون : إنّ العقل يدرك أنّ الله شرّع أحكام الأفعال بحسب ما يظهر من مصالحها ومفاسدها ، فهما عندهم مؤدّيان إلى العلم بالحكم الشرعي ، والحكم الشرعي تابع لهما لا عينهما ، فما كان حسنا جوّزه الشارع وما كان قبيحا منعه ، فصار عند المعتزلة حكمان : أحدهما شرعيّ والآخر عقلي ـ إلى أن قال في ثاني التنبيهين ـ ما اقتصر عليه المصنّف من حكاية قولهم هو المشهور بينهم (٣). ثمّ قال : وتوسّط قوم وقالوا : قبحها ثابت بالعقل ، والعقاب (٤) بالشرع. ثم قال : وهو المنصور ، انتهى (٥).
__________________
(١) في المصدر : بسبب ما كإخباره بذلك.
(٢) الوافية : ١٧٥.
(٣) في ( ط ) زيادة ما يلي : « يعني أنّ ما حكاه صاحب جمع الجوامع عن المعتزلة من إدراك العقل الثواب والعقاب هو المشهور ».
(٤) في ( ط ) زيادة : « ثابت » ، وفي المصدر : « والعقاب يتوقّف على الشرع ».
(٥) الوافية : ١٧٥ ـ ١٧٦.