ثم إنّا قد أشرنا في بعض المباحث السابقة إلى الفرق بين هذه الالتزامات وبين الالتزامات في مسألة الضدّ والمقدّمة ، وحاصله : أنّ النزاع في هذه المسائل في أنّ مدلول اللفظ هل المعنى الذي يلزمه اللازم الفلاني أو معنى لا يلزمه ، والنزاع في تلك المسائل إنّما هو في ثبوت الملازمة بين المعنيين ولو لم يعبّر عنهما بلفظ أصلا.
الثالث : قوله تعالى : ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً )(١) وجه الدلالة : أنّ اعتبار المفهوم يوجب إباحة الإكراه عند عدم الشرط ، وهو عدم إرادة التحصّن ، واللازم باطل ، والملزوم مثله.
والجواب : أنّ مجرّد الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، ونحن لا ننكر استعمال الجمل الشرطيّة فيما يلغو فيه المفهوم ، وإنّما الكلام في الظهور العرفي ، ووجود الاستعمالات المخالفة (٢) وإن كانت غالبة ، غير مضرّ فيه ؛ لاقترانه بالقرينة في الكلّ.
وأجاب عنه في المعالم (٣) وغيره (٤) ، تارة : بالالتزام بالمفهوم والقول بأنّها تدلّ على عدم حرمة الإكراه عند عدم إرادة التحصّن ، وذلك لا يقتضي إباحة الإكراه ، إذ لا يعقل الإكراه عند عدم إرادة التحصّن ، فيصدق : أنّه لا يحرم الإكراه عند عدم إرادة التحصّن ، لأنّ السالبة صادقة عند انتفاء الموضوع أيضا. وأخرى : بأنّ التعليق بالشرط إنّما يقتضي الانتفاء إذا لم يظهر للشرط فائدة
__________________
(١) النور : ٣٣.
(٢) في ( ع ) : « المختلفة ».
(٣) المعالم : ٧٨.
(٤) انظر الفصول : ١٥١ ، ومناهج الاصول : ١٢٩.