القبيح منه لا امتنان له ـ فواه جدّا ، فإنّ عدم صدور القبيح منه تعالى إنّما هو لغنائه ، لا لشيء آخر على وجه يضطر إليه ، فإنّ امتناع القبيح لصارف يؤكّد الامتنان ، حيث إنّ اتّصافه (١) بذلك أيضا من أعظم المنن (٢) ، كما أنّ فيّاضيّته على وجه الإطلاق محض الامتنان على العباد ، وإلاّ فلا وجه لعدّ الوجود من أعظم نعمائه التي منّ بها على خلقه ، كما لا يخفى.
وأمّا على مشرب التحقيق ، فبأن يقال : إنّ حسن الفعل قد يتدارك بوجوه أخر ويحرز بجهات أخرى على الوجه الأتمّ الأكمل من غير تكليف إذا اقتضى المصلحة لذلك ، كما في الحكم بإفطار الصوم في السفر ، فإنّ التنعّم بنعمه في السفر (٣) عند المشقّة قد يوجب شكر المنعم والخضوع لوجهه الكريم المنّان المشتمل على أكمل المصالح وأتمّ الفوائد ، فرفع التكليف والإحسان بما لا يستحقّه من مجازاته تعالى له بجزائه الجميل ممّا لا يقدر العاقل بإحصاء (٤) وجوه امتنانه عمّا قليل. كذا أفاد الأستاذ ـ دامت إفاداته ـ لكنّه لا يخفى عدم اندفاع النقض على المذهبين بذلك وإن حلّ الإشكال به ، فتدبّر.
الخامس (٥) : لا ريب في أنّ كثيرا من الأحكام المقرّرة في الشريعة معلّلة في الحقيقة ظنّا أو احتمالا بحكم غير مطّردة في مواردها ، ومع ذلك فقد حافظ الشارع على عمومها وكلّيتها حذرا من الأداء إلى الاختلال بموارد الحكم ،
__________________
(١) في ( ش ) بدل « اتّصافه » : « المتصارف » أو « التصارف ».
(٢) في ( ش ) زيادة : « به ».
(٣) لم يرد « في السفر » في ( ش ).
(٤) في ( ش ) : « بإحضار ».
(٥) من الوجوه التي استند إليها صاحب الفصول.