وبالجملة ، لا يصحّ ترك الدليل العقليّ والأخذ برواية في سندها ـ بل وفي دلالتها أيضا ـ ألف كلام ، فهذه الكلمات في دفع الملازمة لو خيطت من ألف جانب لتهتّك من ألف جانب آخر.
وثانيا : أنّ جملة من الأخبار الدالّة على تفويض الأحكام إلى النبي صلىاللهعليهوآله وأوصيائه عليهمالسلام (١) محمولة على وجوب اتّباع النبيّ صلىاللهعليهوآله فيما لو أمر لداع غير التبليغ : من إيصال العباد إلى جميع المصالح المكنونة قليلها وكثيرها من غير أن يفوّت منهم مثلا شيئا منها ، ومن هنا قيل : فرض الله وفرض رسوله ، فيجوز أن يكون الأمر المفروض في الرواية ـ كما يظهر من استناده إلى نفسه ـ من فرائضه من غير أن يكون تبليغا منه صلىاللهعليهوآله ، فالفعل بعد الأمر من النبيّ صلىاللهعليهوآله يصير حسنا فيجب ، فأمره في الحقيقة محقّق لموضوع الواجب العقلي والشرعي كالنذر وأمر الوالد لولده. ولا ينافيه علم النبيّ صلىاللهعليهوآله وحكمته بعد ما عرفت من أنّه ربما يكون الداعي استيفاء جميع المصالح لهم ، فليتأمّل.
ثمّ إنّ الإشكال الوارد في المقام ـ أعني مقام الامتنان ـ يمكن التفصّي عنه على المذهبين ، أمّا على مذهب الناقض : فبأن يقال : إنّ التكليف وإن كان حسنا ، إلاّ أنّ ترك التكليف أحسن ، للامتنان (٢) على نهج العفو فيمن يستحقّ العقوبة ، فإنّها عدل لكن العفو أولى.
وأمّا القول بأنّ فعل الأحسن بعد ما كان كذلك لا امتنان فيه ـ نظرا إلى وجوب (٣) صدور الأحسن منه تعالى ، فهو في مقام الربوبيّة وعدم جواز صدور
__________________
(١) الكافي ١ : ٢٦٥ ، باب التفويض إلى رسول الله وإلى الأئمة صلوات الله عليهم.
(٢) في ( ط ) زيادة : « و ».
(٣) لم يرد « وجوب » في ( ش ).