وبالجملة ، إذا أدرك العقل بعض جهات الفعل وأحرز عنوانا حسنا وشكّ في وجود عنوان آخر معارض للأوّل (١) فبمجرّد الشكّ يحكم بحسن الفعل واقعا من غير تأمّل وتزلزل ، فإنّ الشكّ دليل على عدم عنوان مقتض للقبح ، إذ لا يتّصف بالقبح إلاّ بعد القصد والاختيار ، ولا قصد مع الشكّ فلا قبح قطعا من غير احتمال خلاف في الواقع ؛ واحتمال وقوع العنوان القبيح ممّا لا يجدي ؛ لأنّه بعد عدم القصد فعل اضطراري لا يتّصف بحسن ولا قبح.
ومن هذا القبيل فعل المتجرّي لو اعتقد حرمة شيء واجب واقعا ، فإنّه لا يجدي به مع عدم قصده إليه ولا يتّصف بالحسن والقبح ، وكذا لو اعتقد وجوب شيء حرام وتركه تجرّيا على الله ـ نعوذ بالله ـ فإنّه يذمّ على نفس التجرّي ولا يمدح في ترك الحرام الواقعي ، كما نبّهنا عليه في بعض المباحث السابقة (٢).
فتخلّص ممّا مرّ : أنّ الملازمة الظاهريّة ممّا لا محصّل لها بوجه ، والحقّ ثبوت الملازمة الواقعيّة.
وما قد يتوهّم في المقام : من دلالة الظواهر على انتفاء الملازمة ، كما في قوله تعالى في تحريم الشحوم على اليهود : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ... )(٣) الخ ، وقوله : ( جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ ... )(٤) الخ ، وقول ابن عبّاس في اليهود في قصّة البقرة : من « أنّهم شدّدوا فشدّد الله عليهم » (٥) ـ وأمثال ذلك ـ فممّا لا يقاوم
__________________
(١) في ( ط ) هكذا : « عنوان آخر يعارض قبحه حسنه ».
(٢) لم ترد عبارة « كما نبّهنا عليه في بعض المباحث السابقة » في ( ش ).
(٣ و ٤) الانعام : ١٤٦.
(٥) انظر مجمع البيان ١ : ١٣٥.