ليس أحدها في سلسلة طول الآخر ، بل الكلّ في عرض سواء. بخلاف الأحكام الشرعيّة ، فإنّها ربما يكون أحد الموضوعين فيها في عرض الموضوع الآخر ـ كالحاضر والمسافر ـ وقد يكون مرتّبا على الآخر كما في أصالة البراءة على ما سيجيء تحقيقه ـ إن شاء الله ـ والأحكام الظاهريّة إنّما تتصوّر فيما إذا كان أحد الموضوعين مرتّبا على الآخر. مثلا حكم العقل بحرمة الظلم حكم واقعيّ وحكمه بحرمة الضرب فيما إذا شكّ في حصول التأديب أيضا حكم واقعي وإن حصل التأديب ، ومثله في الشرعيّات يسمى بالحكم الظاهري ، فإنّ للشيء مع قطع النظر عن العلم والجهل حكما مخزونا في الشرع.
وأمّا الأحكام العقليّة ، فموضوعاتها لا تحصل إلاّ بعد العلم والإرادة ، حيث إنّ الكلام ـ على ما عرفت ـ إنّما هو في الحكم التابع للحسن والقبح اللاحقين للأفعال (١) الاختياريّة التي لا تصير اختياريّة إلاّ بعد العلم والإرادة ، فما لم يقصد حصول عنوان لم يحصل على وجه يتّصف بالحسن والقبح وإن وقع ما هو القبيح أو الحسن في الواقع ، كالتأديب المترتّب على الضرب فيما لم يكن مقصودا وقتل النبيّ المترتب على الصدق إذا لم يكن الصادق مريدا له في صدقه.
والسرّ في جميع ذلك هو ما عرفت في المقدّمة الممهّدة : من أنّ مناط الانقسام إلى الحكمين هو إمكان جعل الأحكام الشأنيّة وعدم وصولها إلى المكلّف ، فيمكن أن يقال : إنّ للشيء مع قطع النظر عن الجهل حكما ومن حيث هو مجهول حكما آخر. بخلاف الأحكام العقليّة ، فإنّ الشأنيّة فيها غير معقول ، لامتناع ذهول النفس عنها ، كما لا يخفى.
__________________
(١) كذا ، والظاهر : اللاحقين بالأفعال.