وإذا تمهّدت هذه المقدّمة ، فنقول : إنّ حكم العقل بقبح التصرّف في ملك الغير يقع على وجوه :
فتارة مع العلم بعدم إذنه ، ولا ريب في كونه حكما واقعيّا غير منوط بالجهل.
وأخرى مع عدم العلم بإذنه ، فإمّا مع إذنه واقعا أو مع عدم الإذن في الواقع ، والحكم بقبح التصرّف في الصورتين أيضا حكم واقعيّ وإن كان في موضوع الجهل (١) ، فإنّ تعريض النفس في معرض الهلاكة عنوان حكم العقل ولا اختلاف فيه في جميع الصور ، وعدم وقوع الهلاكة في البعض لا يناط بالاختيار ، فلا يصحّ القول بكونه فارقا في الصور الثلاثة.
وبالجملة ، فمقتضى القول بالحظر ـ كما هو ظاهر ما تمسّك به ـ هو الحظر الواقعي. وفي قباله القول بالإباحة ، سيّما بعد ملاحظة ما أجابوا به عن دليل الحظر من معلوميّة الإذن هو الإباحة الواقعيّة. فجعل النزاع في الحكم الظاهري في المقام ـ كما في أصالة البراءة ـ ودفع التناقض بأنّ عدم الاستقلال إنّما هو بالنسبة إلى الواقع والاستقلال إنّما هو بالنسبة إلى الظاهر إنّما هو تأويل بما لا يرضاه المتنازعون ، كما لا يخفى على المتأمّل (٢).
فالتحقيق في دفع الإشكال هو أن يقال : إنّ استقلال العقل إنّما هو في موضوع عدم وجدان ما يقتضي المفسدة ، وعدم استقلاله فيما لم يلاحظ مع الفعل هذا العنوان ، وليس من الحكم الظاهري في شيء ، فإنّ موضوعات أحكام العقل
__________________
(١) في ( ش ) : « وإن كان موضوع موضع الجهل ».
(٢) لم يرد « كما لا يخفى على المتأمّل » في ( ش ).