وتوضيحه وتحقيقه يحتاج إلى رسم مقدّمة ، وهي : أنّه لا يتصوّر في الحكم العقلي أن يكون ظاهريّا بل كلّ ما يحكم به العقل فهو حكم واقعي ، لأنّ اختلاف الأحكام الشرعيّة بأن يكون بعضها واقعية وبعض آخر ظاهريّة إنّما هو بواسطة إمكان جعل حكم في الواقع وعدم الوصول لمانع إلى المكلّف ، فما هو مجعول واقعا حكم واقعيّ ، وما هو المحكوم به في مقام العمل والفتوى حكم ظاهري. وهذا كما هو ظاهر يصحّ فيما لو كان الحاكم غير المكلّف وأمّا فيما إذا كان هو المكلّف ـ كما فيما نحن فيه ـ فلا وجه لعدم الوصول حتّى يقال : بأنّ المجعول الغير الواصل حكم واقعيّ والمحكوم به في مقام الجهل بالواقع حكم ظاهريّ.
لا يقال : قد يكون الفعل قبيحا والعقل من حيث جهله بقبحه مثلا يحكم بجواز ارتكابه وإباحته ، فمن حيث قبحه واقعا له حكم واقعيّ ، ومن حيث الجهل به له حكم ظاهريّ.
لأنّا نقول : الكلام في المقام إنّما هو في الحكم التابع للقبح والحسن على ما هو المقرّر في المراد منهما (١) في محلّ النزاع ، والحسن والقبح بالمعنيين المعهودين لا يلحقان للأفعال (٢) الغير الاختياريّة اتّفاقا من العدليّة والأشعرية ، فالفعل القبيح في الواقع لا يتّصف بالقبح إلاّ بعد العلم به على وجه يصير (٣) اختياريّا ، فهو حال الجهل لا يتحقّق قبيحا ؛ لأنّ المفروض عدم العلم بالعنوان القبيح ومع عدمه لا يصحّ قصده وبدون القصد لا يكون اختياريّا فلا يكون متّصفا بالقبح في الواقع.
__________________
(١) لم يرد « في المراد منهما » في ( ش ).
(٢) كذا ، والظاهر : لا يلحقان بالأفعال.
(٣) في ( ط ) زيادة : « به ».