وفيه أيضا : ما عرفت من جريانه بعينه فيما يستقلّ العقل بإدراكه ، كيف! ومرجع هذا الوجه عند التدبّر هو الوجه الأوّل ، وعلى (١) بعض الوجوه فالعنوان الذي لا يستقلّ بإدراك حكمه العقل إلاّ بعد ملاحظة الوسط ليس من المستقلاّت العقليّة وإنّما الوسط منها.
ولا معيار في المقام لاختلاف المراتب ، فربما يكون الشيء بعنوان جزئي منها وربما يكون منها باعتبار صنفه على اختلاف مراتب الأصناف أو باعتبار نوعه أو جنسه السافل إلى أن يصل إلى جنس الأجناس في سلسلة الطول ، فأكل الفاكهة في المقام بمنزلة الظلم الشخصي في ذلك المقام. فكما أنّ الظلم الشخصي لا يعدّ من المستقلاّت العقليّة إلاّ باعتبار الاندراج فكذلك ، أكل الفاكهة لا يعدّ منها إلاّ باعتبار التصرّف في ملك الغير الذي مرجعه في الحقيقة إلى عنوان الظلم على بعض الوجوه ، كما لا يخفى.
الثالث : ما أفاده بعض أفاضل المتأخّرين (٢) طاعنا على الفاضل القمّي حيث استصعب دفع الإشكال ، وهو : أنّ الحكم في المقام بالنسبة إلى مرحلة الظاهر والجهل بالنسبة إلى مرحلة الواقع ، والنفي في الواقع لا ينافي الإثبات في الظاهر كما في أصالة البراءة ، فإنّ شرب التتن ممّا لا يستقلّ العقل بإدراك حكمه الواقعي ويستقلّ بإدراك حكمه الظاهري من غير تناقض بين الحكمين.
وفيه : أنّك قد عرفت فيما تقدّم : أنّ حكم العقل بالإباحة عند المبيح وبالحظر عند الحاظر واقعيّ على ما هو لائح من مطاوي كلماتهم وإن كان باعتبار جهالة حكم موضوعه.
__________________
(١) في ( ط ) : « على ».
(٢) لم نعثر عليه.