وأمّا إذا كان أهل عصره مختلفين في الفتوى فلا دليل على خطأ قوله ، إذ المفروض أنّ الموت لم يثبت كونه مبطلا لقوله ، وإنّما اتّفق كشف الموت عن بطلان قوله في الفرض السابق باعتبار تحقّق الإجماع وانعقاده على خلاف فتوى الميّت ، فيختصّ بصورة الكشف. بل وذلك ممّا لا كلام فيه ، حتّى أنّ الحيّ لو فرض كشف خطائه في فتواه ، فلا يجوز تقليده.
ومن هنا يظهر : أنّه لا سبيل إلى التمسّك بالإجماع المركّب في إتمام الدليل ، فإنّه لا مسرح له فيما إذا كان الحكم مستفادا من علّة معلوم الانتفاء في الطرف الآخر. اللهم إلاّ أن يقال : إنّ تقليد الميّت تظهر الثمرة فيه فيما إذا لم يكن فتواه مطابقا لأحد من الأحياء ، إذ على تقدير المطابقة فلا تظهر الثمرة إلاّ على القول بلزوم تعيين المفتي في التقليد. ولعلّه لا دليل على التعيين عند مطابقة العمل للواقع ، فيقرّر الدليل حينئذ : بأنّ الأخذ بقول الموتى إذا كان موافقا لأقوال الأحياء ولو واحدا منهم فلا كلام فيه ، إذ ليس ذلك اعتمادا على الميّت ، لعدم دليل على التعيين ، وإذا لم يكن موافقا فهو خلاف الإجماع ، إمّا بسيطا كما إذا كان الكلّ على خلافه مع اتّفاقهم ، أو مركّبا (١) كما إذا كان أقوالهم مع اختلافها مخالفة له.
وأمّا ثانيا : فلأنّ ما ذكره مبنيّ على طريقة خاصّة في الإجماع يظهر ممّا ذكره فخر المحقّقين في بعض الفروع وغيره ، ولعلّها قريبة من طريقة اللطف في الإجماع ، ولذلك يمنع عن تحقّق الإجماع خلاف الواحد وينعقد بعد ارتفاع الخلاف. وهذه الطريقة ممّا لا دليل يقضي بها ـ كما هو المحرّر في محلّه ـ
__________________
(١) في هامش المطبوع ما يلي : مبنيّ على القول بتحقّق الإجماع المركّب على هذه الطريقة بمجرّد انحصار القول في الموجودين ، منه رحمهالله.