الثالث : ما احتجّ به ثاني المحقّقين في حاشية الشرائع (١) ـ تبعا للعلاّمة (٢) ـ وهو أنّ المفتي إذا مات سقط قوله بموته بحيث لا يعتدّ به ، وما هذا شأنه لا يجوز الاستناد إليه شرعا.
أمّا الأولى فللإجماع على أنّ خلاف الفقيه الواحد لسائر أهل عصره يمنع انعقاد الإجماع ؛ اعتدادا بقوله واعتبارا بخلافه ، فإذا مات وانحصر أهل العصر في المخالفين له انعقد الإجماع وصار قوله غير منظور إليه شرعا ولا معتدّا به.
أمّا الثانية فظاهرة.
ثم أورد على نفسه اعتراضا بقوله : إنّما انعقد الإجماع بموت الفقيه المخالف ، لأنّ حجّيّة الإجماع إنّما هي بدخول المعصوم في أهل العصر من أهل الحلّ والعقد ، وبموت الفقيه المخالف في الفرض يتبيّن أنّه غير الإمام ، فتعيّن دخول الإمام في الباقين ، ومن ثمّ انعقد الإجماع بموته ، ولا يلزم من ذلك أن لا يبقى للميّت قول شرعا.
فأجاب عنه : بأنّه على هذا يلزم من موت الفقيه المخالف انكشاف خطأ قوله ، فلا يجوز العمل حينئذ من هذا الوجه (٣).
أقول : وليس هذه الحجّة ممّا يعوّل عليها.
أمّا أوّلا : فلاختصاصها بما إذا كان قول الميّت مخالفا لأقوال معاصريه في حال حياته ، فإنّ انكشاف خطأ قوله بعد موته إنّما يكون فيما إذا كان جميع أهل عصره مخالفا له حتّى ينعقد الإجماع بعد موته على خلافه فيكشف عن خطأ قوله.
__________________
(١) حاشية الشرائع ، الورقة : ٩٩.
(٢) انظر نهاية الوصول : ٤٤٤.
(٣) حاشية الشرائع : ٩٩.