برهانا ، بل المعقول عندنا هو : أنّ الذهن قوّة من قوى النفس الناطقة بها يدرك المعلومات ، وليس من أجزاء البدن ، فخراب البدن وانقطاع الروح منه لا يلازم ارتفاع الصور العلميّة ؛ ولا نضايق من القول بأنّ تعلّق النفس بالبدن العنصري له دخل في حصول الإدراكات والملكات في هذه النشأة ، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب القول بزوال تلك الإدراكات عند انخلاع النفس وخروجها من البدن ، إذ يحتمل أن يكون ذلك معدّا وانتفاء المعدّ لا يوجب انتفاء المعلول ، كيف! والقول به على وجه الإطلاق يوجب القول بما لا أظنّ أن يلتزم به أحد ، وهو زوال الصور العلميّة الثابتة للنفس في هذه النشأة ، مع أنّ المقصود الأصليّ من الإيجاد ربما يكون تحلية النفس بالصور العلمية من المعارف والاعتقادات الحقّة ، فإنّها كمال لقوّتيها ـ النظريّة والعمليّة ـ.
أمّا الأولى ، فظاهر. وأمّا الثانية ، فلأنّ تحصيل الملكات الفاضلة وتجريد النفس عن الصفات الرذيلة موقوف على الصور العلميّة ، كما لا يخفى. ولو سلّم فتلك الملكات أيضا في عرض الصور العلميّة ، فإنّها أيضا من الأعراض الحالّة في الحيوان الناطق في الظاهر ، فانقطاع الروح كما يقضي بارتفاع الأولى يقضي بارتفاع الثانية أيضا ، مع أنّ ذلك ظاهر الفساد.
اللهم بالقول بالفرق بين الظنون الحاصلة من النظر والعلوم التي يقتضيها الفطريّة الإلهيّة التي فطره الله عليها. وهو كما ترى لا يساعده دليل ولا يوافقه اعتبار ، فإنّ النفوس الإنسانيّة في بدو الفطرة قبل حدوث العلقة بينها وبين أبدانها ـ كما صرّح به غير واحد من أرباب المعقول والمنقول (١) ونطقت به الآثار
__________________
(١) راجع كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٣١ وشرح المنظومة : ٣٠٣.