الرابع : أنّ الحجّة في حقّ المجتهد والمقلّد أمر واحد ، فإنّه نائب عنه في فهم النتائج المستفادة من الأدلّة التي هي موارد التقليد والبناء على القواعد والفحص عن المعارضات والترجيح بينها ، ومن المعلوم أنّ المعتبر في حقّ المقلّد ليس قوله وفتواه ، بل إنّما هو سبيل في الوصول إلى ما هو المعتبر في حقّه وهو فهمه وظنّه ، والإدراكات المتعلّقة بالقوى المتعلّقة بالبدن لا تبقى بعد خراب البدن ، فيرتفع ما هو الحجّة بعد الموت ، فلا وجه للاعتماد على قول الميّت وهو المطلوب.
أمّا المقدّمة الأولى ـ وهي اتّحاد الحجّة ـ فظاهرة ، فإنّ مجرّد القول ولو عند انتفاء الظنّ وزواله بواسطة زوال الملكة لهرم أو نحوه لا يكون مناطا لعمل المقلّد ، بل لا بدّ من مقارنته للظنّ الفعلي في حقّه. بل لو اطّلع على ظنّ المجتهد بدون توسّط القول كان ذلك حجّة له ومناطا لعمله. ولا ينافي ذلك عدم الالتفات إليه بواسطة عروض غفلة وذهول حاصل حال الإغماء والنوم ونحوه ، لوجود الظنّ في تلك الحالة في الخزانة.
وأمّا المقدّمة الثانية : فاستدلّ الوحيد البهبهاني عليها : بأنّ الظنّ هي الصورة الحاصلة في الذهن ، ولا يبقى تلك الصورة حال النزع لشدّتها وكثرة الاضطراب الواقع فيها ، بل ولا تبقى حال النسيان والغفلة أيضا ، فما ظنّك بما بعد الموت حيث صار الذهن جمادا لا حسّ فيه (١)!
أقول : وهذا الاستدلال مبنيّ على أن يكون الذهن جزءا من البدن ويكون الصورة العلميّة محفوظة فيه على وجه لو حاول النفس إدراك تلك الصورة والالتفات إليها كان الذهن وسيلة في نيلها إليها. وهو غير معلوم لا وجدانا ولا
__________________
(١) الرسائل الفقهيّة : ١٥.