الجرح والتعديل من هؤلاء المختلفين في المسألة يوجب تقليدهم فيما اعتقدوا ، بل ويوجب ذلك مع عدم علمهم بفتواهم وأنت خبير بأنّ شيئا من ذلك ممّا لا يقبل التفوّه به.
أمّا الأوّل : فلأنّ مداره ليس على الواقع وإنّما هو منوط باعتقاده ، وما يحكم به من الأمور المترتّبة على ذلك ليس مربوطا بالتقليد كما لا يكاد يخفى على أوائل العقول.
وأمّا الثاني : فلأنّ المناط في الشهادة هو القول الموجود بعد الموت أيضا ، إذ حدوثه يكفي عن بقائه في الأزمنة المتأخّرة.
وأمّا الثالث : فهو مبنيّ على حمل العبارة الواقعة من المعدّل والجارح على الواقع ، أو على معتقده. فعلى الأوّل يعتمد عليه من هذه الجهة ، وعلى الثاني فالموافق له في الاعتقاد ربما يوافقه والمخالف له لا يوافقه ، ولعل إطباقهم على عدم الفحص عن حال المعدّل ورأيه إنّما هو دليل على حمل العبارة الواقعة في مقام التعديل والجرح على الواقع ، فلا وجه لحسبان أمثال ذلك دليلا على المطلوب. على أنّ ذلك يوجب التعويل على قول الفاسق على الأوّل كما أشرنا إليه ، والاعتماد على ما ليس معلوما على الثاني ، وهل هذا إلاّ بهت؟
وأمّا استفادة التوثيق من الأمور الاجتهاديّة فلا نسلّم أنّهم يعوّلون عليه من دون مراجعة إلى ما هو السبب في ذلك بعد علمهم بأنّ التوثيق إنّما نشأ من الاجتهاد ، كما يظهر من حال « عمر بن حنظلة » فإنّ جماعة من الأصحاب (١) أنكروا على الشهيد في توثيقه المستفاد من الخبر ، ونحن أيضا قد اعتمدنا على ما ذهب إليه الشهيد ، لاعتقاد الدلالة في الرواية.
__________________
(١) انظر منتقى الجمان ١ : ١٩ ، ومنتهى المقال ٥ : ١٢٨ ـ ١٢٩.