فإن قلت : إنّ الإجماعات المتقدّمة مختصّة بالتقليد البدوي وليس إطلاقها في بيان حال التقليد الاستمراري ؛ لأنّها وقعت في قبال العامّة القائلين بالجواز ابتداء ؛ مضافا إلى أنّ التقليد هو البدويّ منه ، فلا ينصرف إطلاق لفظ « التقليد » إلى الاستمراري ، بل قد يقال : لا يمكن شمولها إلاّ مجازا ؛ لأنّ البقاء على التقليد ليس تقليدا بالمعنى المصدريّ.
قلت : أمّا كون هذه الإطلاقات في غير مقام بيان الاستمرار إنّما يظهر خلافه بملاحظة كلمات القائلين بعدم الجواز ، حيث إنّهم لا يظهر منهم جواز الاستمرار ولو واحدا ، ولو كان كذلك لكان ذلك شايعا في كلامهم ، وقد عرفت أنّ حدوثه إنّما هو من بعض المتأخّرين ، كما نصّ عليه السيّد الصدر (١). فالقول بأنّ هذه الاطلاقات ليست في مقام بيان الاستمرار إنّما هو قول بلا داع.
وأمّا دعوى عدم الشمول وضعا أو انصرافا ، فلا وجه لها ، وبيان ذلك يتوقّف على الإحاطة بمعاقد الإجماعات سواء كان الإجماع مصرّحا به في كلماتهم أو لا ، فنقول :
منها : ما ادّعي على عدم جواز التقليد ، ولا ريب في استواء صدق التقليد على الابتداء والاستدامة سواء فسّر بالعمل كما هو الظاهر ، فإنّه هو المعقول منه بعد عدم إرادة ما هو المراد منه في غير المقام من الاعتقاد ، الغير الثابت ، لعدم حصوله في الأغلب.
ولا يستلزم ذلك بطلان العمل الأوّل أو الدور ، نظرا إلى توقّف صحّة العمل على التقليد ، فالعمل الأوّل إمّا أن يكون صحّته بنفسه فهو دور ، وإمّا أن لا يكون
__________________
(١) شرح الوافية : ٤٧١.