ولعلّ نظرهم إلى تداخل المسبّبات في المقام ، كما يظهر من استدلالهم بحصول الامتثال فيما لو أتى بالمسبّب مرّة واحدة.
ولا ينافي ذلك استدلالهم. بأنّ العلل الشرعيّة معرّفات فلا يمتنع اجتماعهما في شيء واحد ، الظاهر في دعوى تداخل الأسباب ؛ لأنّ المقصود حقيقة إثبات عدم تعدّد الجزاء ، كما هو المصرّح به في كلام بعضهم : من أنّ المراد تداخل المسبّبات ، وإنّما عبّروا عنه بتداخل الأسباب تنبيها على علّة الحكم.
الثاني : الجزاء المأخوذ في الجملة قد يكون قابلا للتعدّد. وقد لا يكون ، كقتل زيد إذا وقع جزاء لشروط عديدة.
لا ينبغي الإشكال في خروج الثاني عن محلّ النزاع. نعم ، قد يستشكل في كيفيّة تأثير الأسباب المتعدّدة فيما لا يقبل التعدّد إذا تعاقب الأسباب أو تواردت دفعة واحدة ، فإنّه إمّا أن يقال بسببيّة كلّ منهما (١) مستقلاّ فيلزم المحال المعروف ، أو باستناد الأثر إليهما معا ، وهو خلاف الفرض ؛ لكفاية أحدهما فيه قطعا. والقول بأنّ القدر المشترك بينهما سبب لا يدفع الضيم ؛ لعدم تحقّقه إلاّ في الأشخاص ، ووجوده الذهني لا يترتّب عليه شيء ، واستناد الأثر إلى أحدهما ترجيح بلا مرجّح.
أقول : إمّا أن يكون المسبّب ممّا يختلف شدّة وضعفا أو لا ، فعلى الأوّل لا إشكال ؛ لاستناد المرتبة الشديدة إليهما دفعة عند التوارد ، وانقلاب الضعيفة إلى الشديدة عند التعاقب. وعلى الثاني فنلتزم بأنّ السبب هو القدر المشترك ولا ضير فيه ، إذ القدر المشترك لا يتعدّد بتعدّد الأشخاص والوجودات الخاصّة. ولا أقول إنّ نفس الماهيّة مع قطع النظر عن الوجود هي السبب حتّى يقال بأنّ الماهيّة الذهنية لا يترتّب عليها شيء ، بل الماهية من حيث الوجود ، إلاّ أنّه لا حكم لنفس الوجودات الخاصّة.
__________________
(١) كذا ، والمناسب : « منها » وكذا الكلام في الضمائر الآتية.