الاستصحاب في الأحكام العقليّة ، لاختلاف الموضوع ، إذ على تقدير عدم الاختلاف في موضوع الحكم العقلي لا يعقل الشكّ فيه ؛ لأنّ العقل لا يحكم إلاّ بعد الإحاطة بحدود الموضوع وأطرافه وذلك أمر ظاهر.
الثاني (١) : أنّ الأمر دائر في المقام بين كون المكلّف به الرجوع إلى مطلق الفقيه حتى يكون المكلّف مخيّرا بينهما ، وبين أنّ يكون هو الرجوع إلى الأعلم ، ولا شكّ أنّ الثاني فيه كلفة ليست في الأوّل ، فمع عدم ما يلزمه من الدليل لا يجب الالتزام ؛ لأنّ الناس في سعة ما لا يعلمون (٢) ؛ وذلك كالشكّ في أنّ المطلوب هو مطلق الرقبة أو الرقبة المؤمنة مع انتفاء الإطلاق في البين.
وفيه : منع كون المقام ممّا دار الأمر فيه بين الإطلاق والتقييد على وجه يجري فيه البراءة.
وتوضيحه : أنّ الشكّ في التعيين والتخيير يتصوّر في مقامات :
أحدها : ما عرفت من دوران الأمر بين الإطلاق والتقييد ، ومرجعه إلى الأمر بالكلّي المردّد بين أفراده المخيّر فيها بحسب حكم العقل.
الثاني : أن يكون ذلك التخيير بحسب حكم الشرع كالتخيير بين الخصال.
الثالث : أن يكون التخيير عقليّا بواسطة المزاحمة ، والفرق بينه وبين الأوّل ظاهر فإنّ الأمر لم يعلم تعلّقه بغير الكلّي في الأوّل ، بخلاف الثالث فإنّ تعلّق الأمر بكلّ واحد منها معلوم مع قطع النظر عن المزاحمة ، وإنّما قلنا بالتخيير بواسطة المزاحمة مع اشتمال كلّ واحد من طرفي التخيير على المصلحة الفعليّة.
__________________
(١) من وجوه أصالة جواز تقليد المفضول.
(٢) المستدرك ١٨ : ٢٠ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦١ ، وفيه : « في سعة ما لم يعلموا. »