الرابع : أن يكون التخيير بين فعل الشيء وتركه بواسطة دوران حكمه بين الوجوب والحرمة مع عدم المرجّح في البين.
وإذ قد عرفت ذلك فلا بدّ من بيان أنّ ما نحن بصدده من أيّ هذه الأقسام؟
فنقول : لا إشكال في أنّ التخيير بين الأعلم وغيره ليس من القسم الثاني ، إذ لا دليل في الشرع بكون مفاده التخيير الشرعي بين الأعلم والأدون. ولا من القسم الأوّل ، إذ من المعلوم اعتبار الأدون عند عدم المعارضة ، وليس وجوب عتق الرقبة المؤمنة عند عدم تعارضه بوجوب المطلق معلوما. فلا بدّ أن يكون من القسم الثالث أو القسم الرابع ، ونحن لو سلّمنا جريان البراءة في القسمين الأوّلين فلا نسلّم أنّ القسمين الأخيرين يجري فيهما البراءة ، والوجه في ذلك عدم وفاء أدلّة البراءة به. وبيانه تفصيلا موكول إلى محلّه.
وأمّا إجمالا : فلأنّ الشكّ في المقام راجع إلى تعيين المكلّف به المردّد بين الشيئين ، ولا شكّ في لزوم الأخذ بما يحتمل معه الترجيح بحكم العقل ؛ مضافا إلى أنّ الأخذ بأصالة البراءة فيما نحن فيه ليس في محلّه ، نظرا إلى أنّ الأصل المقرّر في الأمارات الغير العلميّة هو عدم جواز التعويل عليها.
وتوضيحه : أنّ قياس ما نحن فيه مع المثال المعهود من دوران الأمر بين الإطلاق والتقييد ـ كالعتق المردّد بين المؤمنة ومطلق الرقبة ـ قياس مع الفارق. والوجه فيه : أنّ عدم وجوب الزائد هناك موافق لأصل البراءة. بخلاف المقام ، فإنّ الشك الزائد لا يطابق الأصل ، بل الشكّ فيه إنّما يرجع إلى عروض التخصيص في عمومات النهي عن العمل بما وراء العلم ، وأصالة الحقيقة فيهما تقضي بالتحريم فيما لم يعلم تخصيصه بدليل قطعيّ ، كما هو المفروض في مقام تأسيس الأصل.