وممّا يدلّ على أنّ المقام ليس من موارد البراءة بواسطة دوران الأمر بين الإطلاق والتقييد هو أنّه من لوازم ذلك تعلّق الأمر بالمطلق القدر المشترك ، وهو إنّما يجدي في التكاليف الواقعيّة ، وأمّا فيما هو طريق إليها ـ كالتكليف فيما نحن فيه ـ فلا يعقل تعلّق الأمر بالقدر المشترك ، فإنّ القدر المشترك بين ما مفاده الوجوب وبين ما مفاده الحرمة لا يعقل أن يكون هو الطريق إلى الواقع.
وأمّا التخيير الشرعيّ بين الأخبار مع كونها طرقا إلى ما يستفاد منها فليس على القاعدة التي قرّرنا في الطرق ، فإنّ الأصل يقضي فيها بالتوقّف دون التخيير ، كما هو مذكور في بحث التعادل والتراجيح. بل وذلك لا يناسب الطريقة في الأخبار ، فإنّما هو يلائم القول بوجوب الأخذ بقول العادل في الأخبار والعالم في المقام تعبّدا شرعيّا من دون ملاحظة كونها طرقا موصلة إلى الواقع وإن كان ذلك بعيدا في الغاية كما يومئ إليها أمارات قد استوفيناها في مباحث الظنّ.
الثالث (١) : أنّ مقتضى الأصل في المقام هو التخيير ، لرجوع الأمر إلى الشكّ في كون الأعلميّة هل هي من المرجّحات أو لا ، والأصل عدم كونها منها.
وتوضيحه : أنّ المراد من عدم حجّية قول غير الأعلم لا وجه لأنّ يكون عدم الحجّية بحسب الشرع في حدّ ذاته ، ضرورة اعتباره عند عدم الأعلم ، بل المراد عدم الحجّية عند دوران الأمر بين الأخذ بفتوى الأعلم وقول غيره ، ووقوع التعارض بينهما بعد العلم بالحجّية في الجملة ، ولا ريب أنّ الحكم بتقديم الأعلم يحتاج إلى مرجّح والمرجّحية ليست من الأمور التي تطابق الأصل كنفس الحجّية ، فمتى ما شكّ فيها فالأصل عدمها ، ومعه يثبت التخيير ، وهو المطلوب.
__________________
(١) من وجوه أصالة جواز تقليد المفضول.