المقلّدين في أمثال زماننا حيث إنّهم لا يختلفون في الفتاوى المنقولة عن مجتهدهم ، فإنّه كلّما يزداد بعد عهدنا عن مشكاة الإمامة ومصباح الولاية يزداد الحيرة والاختلاف فينا ؛ ولذلك قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « أصحابي كالنجوم » (١) فإنّ فيه دلالة على خلاف مراد المتمسّكين به.
أمّا أوّلا : فلأنّ لفظ « الاهتداء » يخالف اختلاف الهادين ، فلا بدّ من أن يكون الكلّ متّفقا في الكلمة. وأمّا ثانيا : فلأنّ التشبيه بالنجوم يفيد ذلك ، فإنّها طرق قطعيّة يتوصّل بكلّ واحد منها إلى المقصود على اختلاف أوضاع المقاصد وهيئات الكواكب.
وكيف كان : فالإنصاف أنّ دعوى استقرار السيرة على جواز الرجوع إلى غير الأعلم عند العلم بالاختلاف وإمكان الرجوع إلى الأعلم ـ على وجه يكون شايعا معلوما للأئمّة بالعلم المعتاد المعتبر في حجّية السيرة ـ غير بيّنة ، ولم يقم دليل عليها أيضا ، فعهدتها على مدّعيها.
وأمّا لزوم الحرج (٢) : فإن أريد لزومه في تشخيص موضوعه ، ففيه : أنّ تشخيص الأعلم ليس بأخفى من تشخيص نفس الاجتهاد فيما هو الموصل فيه أيضا. وإن أريد لزومه من حيث الانحصار ، ففيه : أنّ الواجب حينئذ الرجوع إلى الأعلم فيمن لا يلزم منه العسر. ولا يمكن إلحاق الغير بالإجماع ، لما عرفت مرارا من أنّ التفضيل بواسطة لزوم العسر ليس تفصيلا في الحقيقة ، لحكومة الأدلّة الدالّة على نفسه على جميع الأدلّة في الأحكام الواقعية. وإن أريد أنّ فتوى الأعلم فيها عسر. ففيه : أنّ فتوى غيره أيضا قد يكون فيه العسر.
__________________
(١) المتقدم في الصفحة : ٢٢٥.
(٢) وهو رابع حجج القائلين بالجواز.