والتقليد ـ غير قادح في اتّفاق المجتهدين ؛ نظرا الى اختلال طريقتهم وعدم قولهم بالاجتهاد والتقليد رأسا ، واقتصارهم في استنباط الأحكام على الأخذ من كتب المحدّثين أحياء كانوا أو أمواتا ، وعدّهم الفتوى نقلا لمضمون الأخبار. ومن هنا اعتبر التوني (١) في التقليد كون المجتهد ممّن لا يعمل إلاّ بمداليل الأخبار الواضحة دون الالتزاميات الغير البيّنة التي يعمل بها المجتهدون ويفتون على حسب مقتضاها. وسوّى بين الحياة والممات كما هو الشأن في العمل بالأحاديث ، فإنّ نظره إلى تسويغ العمل بفتوى تكون نقلا لمضمون الأخبار حتى يكون العمل بها عملا بالخبر ، لا إلى عدم اشتراط حياة المفتي على فرض جواز العمل بالفتوى ، مثل ما يقول المجتهدون.
وكذا لا يقدح في الاتفاق المزبور خلاف الأردبيلي (٢) لما ظهر وجهه في خلاف العلاّمة رحمهالله (٣).
فبقي من المخالفين المجتهد الفاضل القمي رحمهالله وهو باعتبار فساد مستنده وعدم مشاركة غيره له في ذلك وإن شاركه في أصل الحكم في الجملة ، مما لا يقدح خلافه ، وليس هذا الكلام إلاّ في الردّ عليه.
وبالجملة : هذا الاتفاق ممّا ادّعاه غير واحد من الأتقياء الفحول وأعاظم أهل الاصول بعد أن بلغوا في الفحص والتتبّع ما هو المأمول ، فهو إمّا حجّة واضحة في المسألة ، أو يدفع مانعية ما يتوهّم مانعيته عن العمل بالأصل من الإطلاقات وعلى التقديرين ففيه الحجة.
__________________
(١) الوافية : ٣٠٧.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٧ : ٥٤٩.
(٣) مبادئ الوصول الى علم الاصول : ٢٤٨.