وقضيّة الأصل عدم التداخل فيما لو كان المراد تداخل المسبّبات ، لأول البحث إلى أنّه بعد ما ثبت من تعدّد التكليف ، فهل يمكن أداؤه بفعل واحد أو لا؟ ولا ريب أنّه شكّ في سقوط المكلّف به بعد العلم بالتكليف.
وإلى ما ذكرنا أوّلا ينظر ما حكاه البعض عن المشارق (١) : من أنّ ما يقال من « أنّ الأصل عدم التداخل » فكلام خال عن التحصيل ، فإنّه إن اريد به الظهور فممنوع ، بل الظاهر كفاية مسمّى المسبّب ، وإن اريد به الاستصحاب فهو ممّا لا يعقل له وجه ، وعلى تقديره فلا عبرة به ، وإن اريد به الغلبة والكثرة فهو أيضا باطل ، انتهى ملخّصا. والظاهر عدم التفاته قدسسره إلى ما ذكرنا ثانيا من المراد ، مع أنّه أجلّ من ذلك.
ثمّ إنّ لبعض الأعلام (٢) في نظير المقام كلاما ، وملخّصه : أنّ مقتضى الأصل العملي التداخل فيما إذا علم تعدّد التكليف ، فيجزي الإتيان بالفعل الواحد عن مجموع التكاليف ، وإن كان الأصل اللفظي قاضيا بعدم الإجزاء ؛ فإنّ المتفاهم عند العرف تعدّد المكلّف به عند تعدّد التكليف.
أقول : إذا ثبت تعدّد التكاليف ، فإن قلنا بأنّ تعدّدها يوجب تعدّد المكلّف به ـ كما هو التحقيق على ما ستعرفه ـ فلا وجه لما أفاده من أنّ الأصل التداخل ، وإن قلنا بأنّ ذلك لا يقتضي التعدّد ـ كما يراه رحمهالله في تداخل الأسباب ـ فلا نعرف وجها لدعوى ظهور اللفظ في تعدّد المكلّف به.
وتوضيحه : أنّه لا كلام فيما إذا كان في المقام ما يدلّ على الوحدة أو التعدّد ، مثل العطف الظاهر في المغايرة ، أو سوق الكلام على وجه يستفاد منه الاتّحاد.
__________________
(١) حكاه المحقّق النراقي في العوائد : ٢٩٣ ، وانظر مشارق الشموس : ٦١.
(٢) لم نعثر عليه.