الواقعيّة ، ضرورة كونه غاية للتفقّه المراد به معرفة حقائق الأحكام. والعلم بها كما ذكرنا ، فغاية ما تدلّ عليه حينئذ هو وجوب الحذر إذا كان المنذر عالما في إنذاره ، فالإنذار الظنّي خارج من تحتها ، والمهمّ إنّما هو إثبات جواز التقليد في الفتاوى الظنّية ، فإنّ الفتوى التي تكون عن علم ، غالبا ـ مع ندرته ـ من قبيل الضروريّات والإجماعات التي تفيد العلم للمقلّد أيضا ، فلا موضع يكون المفتي فيه عالما بما يفتي ولم يحصل للمقلّد ، ولو فرض إمكان ذلك ، فالقدر الثابت حينئذ جواز التقليد تعبّدا في حصول الفتوى التي تكون عن علم ، فيبقى جواز التقليد في الفتاوى الظنّية خاليا عن الدليل. اللهم إلاّ أن يدفع ذلك بالإجماع المركّب ، فإنّ كلّ من أجاز التقليد في صورة كون المفتي عالما أجازه في صورة الظنّ أيضا.
وخامسا : لو سلّمنا جميع ذلك وقلنا : إنّ الآية تدلّ على وجوب الحذر عقيب الإنذار مطلقا ، سواء كان الإنذار أي الفتوى علميّا أو ظنّيا ، وسواء أفاد العلم للمنذر أو لا ، أنّ ظاهرها اختصاص الحكم بإنذار الأحياء ؛ لأنّ الحياة لها مدخلية في حقيقة الإنذار والأمر بالتفقّه والإنذار متوجّه إلى الأحياء.
وسادسا : لو أغمضنا عن جميع ذلك ، وسلّمنا دلالة الآية على جواز تقليد الميّت ، أنّ ما تلونا من الإجماعات الشاهد على صدقها التتبّع كما عرفت ، مخصّصة لها.
فقد تلخّص مما ذكرنا : أنّ الآية لا دلالة لها على مشروعيّة أصل التقليد التعبّدي الذي نحن في صدد بيانه ، وعلى فرض دلالتها عليه فهي قاصرة الدلالة على جواز تقليد الأموات ، وعلى فرض تسليم دلالتها على ذلك فهي مخصّصة بما سمعت من الإجماعات.