ثمّ اعلم ، أنّه إذا فرغنا من وجوب التقليد على العامي واختلفنا في وجوب تقليد الحي وعدمه ، فوظيفة العامي أوّلا الرجوع إلى الحيّ حتّى على القول بجواز تقليد الميّت ، فلا يجوز له الرجوع إلى الميّت ابتداء ، وقد أشار إلى ذلك صاحب المعالم (١). والسرّ في ذلك هو : أنّ العامي إذا علم أنّ تكليفه هو التقليد ، ولم يعلم أنّه مكلّف بتقليد الحي ، أو يجوز له تقليد الميّت وجب عليه بحكم العقل الأخذ بالقدر المتيقّن المعلوم ؛ لأنّ العمل بالمشكوك فيه لا بدّ له من دليل ، ولا دليل للعامي عليه من إجماع أو ضرورة أو نحو ذلك من القطعيّات ، وهذا واضح.
وثمرة البحث في جواز تقليد الميّت إنّما هي للمجتهد إذا سأله العامي عن حكم تقليد الميّت. وهذا الكلام في جميع الشروط الخلافية في المفتي.
ولو اختلفا في وجوب أصل التقليد ودار تكليف العامي بينه وبين العمل بالظنّ ، وجب عليه أوّلا : النظر في أدلّة التقليد ؛ لأنّ ذلك الدليل العقلي يتوقّف على فقد طريق شرعيّ له إلى الأحكام ، فلا يجوز له العمل بذلك الدليل إلاّ بعد الفحص واليأس عن قيام الدليل القطعي على حجيّة بعض الطرق ، كما لا يجوز العمل بأصل البراءة قبل الفحص عن المعارض ، ومن الواضح أنّ المقلّد ليس من أهل النظر في الأدلّة ، فينحصر تكليفه في الاحتياط أو الرجوع إلى الأحياء في أخذ مدارك التقليد ، ثمّ النظر فيها ، فإن بقي له بعد ذلك شكّ أخذ بالظنّ في هذه المسألة الأصوليّة.
فهذا الدليل على فرض تماميّته إنّما يجدي للمجتهد في الفتوى بتقليد الموتى مع حصول الظنّ ، دون العامي القاصر.
__________________
(١) معالم الدين : ٢٤٧ ـ ٢٤٨.