المجعولة في الشرع عللا وأسبابا لأحكام مخصوصة ، كالأحداث للطهارة ، وأسباب الكفّارة والعقود والإيقاعات لما يترتّب عليها ، فإنّها معرّفات لها ، وليست عللا حقيقيّة ، لانحصارها في الأربع. وعدم كونها من الماديّة والصوريّة واضح ، وكذا عدم كونها من الفاعليّة ، لاستناد جعل الأحكام الشرعيّة إليه تعالى ، لا إلى تلك الأسباب ؛ وكذا عدم كونها الغائيّة ، لظهور أن ليس المقصود بوضع تلك الأحكام ترتّب تلك الأسباب عليها. الثاني : العلل التي هي منشأ حكم الحكيم وجهات حسن تشريعه وما يستند إليه مطلوبيّة الفعل أو مبغوضيته ، كإسكار الخمر الموجب لمبغوضيّتها. وهذه العلل علل حقيقيّة ، إذ مرجعها إلى العلّة الغائيّة ، فإنّ المقصود من تحريم الخمر حفظ المكلّف عن السكر وفساد العقل. ثمّ حمل قولهم بأنّها معرّفات على القسم الأوّل ، وجعل مبنى القول بحجيّة المنصوص العلّة (١) القسم الثاني (٢). انتهى كلامه ـ رفع مقامه ـ ملخّصا.
وفيه أوّلا : أنّه لا وجه للإشكال المذكور ، إذ القول بالمعرّفيّة لا ينافي الحجيّة ، إذ لا ضير في كون الإسكار كاشفا عن علّة التحريم مع اطّراد الحكم. نعم ، لو قيل بكونها عللا ناقصة تمّ الإشكال المذكور ، ولا مدفع له.
وثانيا : أنّ ما استند إليه في نفي كونها عللا حقيقيّة من انحصارها في الأربع غير مستقيم ؛ أمّا أولا : فلأنّ دعوى الانحصار فيها باطلة ، كما أذعن به جماعة ، منهم شارح المقاصد حيث قال ـ بعد تقسيم الخارج إلى ما به الشيء وهي الفاعليّة ، وإلى ما لأجله الشيء وهي الغائيّة ـ : لا دليل على انحصاره فيهما سوى الاستقراء (٣) ، وهو أيضا ممنوع ، فإنّ موضوع العرض خارج لا فاعل ولا غاية.
__________________
(١) في ( ع ) زيادة : « على ».
(٢) الفصول : ٣٨٥.
(٣) إلى هنا تمّ كلام شارح المقاصد ، راجع شرح المقاصد ٢ : ٧٨.