ونحن ندّعي أنّ أغلب الناس ـ لو لم يكن كلّهم ـ كانوا بين القسمين الأوّلين ، وإن كان الثاني منهما أغلب ؛ لسهولة الاجتهاد في ذلك الزمان ، وإمكان تحصيل العلم أو الظنّ المعتمد ، وأيّ دليل دلّ على أنّ الفرقة الثالثة قد استمرّوا على تقليد مجتهديهم بعد موتهم وعلمه الامام ولم يردعهم؟
مضافا إلى أنّ تقليد هؤلاء أيضا ربما يفارق تقليد عوامنا لعلمائنا من حيث إنّ ذلك التقليد كان أخذا من الواسطة ، فلا يقاس به الأخذ ممّن يفتي بظنونه الاجتهادية من دون الاستناد إلى السماع عن الإمام ؛ لأنّ الأخذ ممّن سمع عن الإمام عليهالسلام أو ممّن سمع عن المجتهد من عدول زماننا ليس من التقليد له في شيء ، كما أوضحناه فيما تقدّم.
ومنها : لزوم العسر والحرج الشديدين لو الزم على (١) المقلّد بالعدول ، فإنّ تعلّم المسائل أمر صعب وموت المجتهد أمر ذائع ، فلو وجب العدول عن التقليد بموت المجتهد لزم العسر الواضح والحرج البيّن المنفيّان في الشريعة.
وجوابه : المنع ؛ لأنّ وجوب الرجوع مخصوص بموارد الخلاف ، وهي ليست بمثابة توجب العسر والحرج.
وأمّا الاطّلاع على الخلاف والوفاق فربما يمكن تحصيله في يوم أو يومين بمطالعة الرسالة أو السؤال ونحوهما وأيّ فرق بينه وبين من أراد التقليد في ابتداء بلوغه ، مع أنّ ابتداء التقليد فيه من الصعوبة ما ليست في العدول ، فلو كان في العدول حرج مسقط للتكليف لكان في ابتداء التقليد أشدّ وأولى. نعم لو ألزمنا عليه نقض الآثار السابقة الواقعة على حسب فتوى الأوّل التي تخالفها فتوى الثاني ، وتجديد الأعمال قضاء أو إعادة كما هو الحقّ عندنا ـ على ما سبق بيانه في
__________________
(١) كذا ، والظاهر زيادة « على ».