فإن امتنع الاحتياط ـ لدوران الأمر بين المتباينين ونحوه كالحرج الشديد مثلا ـ أخذ بالشهرة المحقّقة ، ثمّ بالشهرة المحكيّة ، ثمّ بما دونها من الأمارات الظنّية مراعاة للأقوى فالأقوى ، حتى إذا انحصر أمره في العمل بقول الأموات لزم اتباع أعلم الأموات ؛ لأنّ وظيفة المقلّد حينئذ الاجتهاد ؛ لقضية الانسداد ، وبقاء التكليف بالبداهة ، كما اعترف به المولى البهبهاني (١).
والمراد بالأقوى ما حكم مجتهده بكونه أقوى ، لا ما هو أقوى في نظره ؛ لأنّه ليس له أهليّة لمعرفة أقوى الأمارات بحسب النوع ، فإن كان قد سأل عن مجتهده قبل أوان الاضطرار من حكم حالتها وأخذ منه المرجع : من الاحتياط ، أو الشهرة ، ونحوها ، لم يتعدّ عنه ولو كان الظنّ الشخصي الحاصل في المسألة على خلافه ؛ لأنّ الظنون الخارجيّة المستندة إلى امور أخر خارجيّة اتفاقيّة ، التي تحصل للمقلّد قبال ما جعله المرجع لمجتهده من الأمارات المفيدة للظنون نوعا وبحسب الذات لا عبرة بها جدا ، كما يأتي توضيحه في تقليد الأعلم.
وإن لم يكن قد سأل مجتهده قبل عروض الاضطرار عن حكمها ، ولم يكن في يده شيء من الأمارات التي عيّنه مجتهده في تلك الحالة ، فلا محيص له عن الاعتماد على ظنونه الشخصيّة بحكم العقل.
والحاصل : أنّ حكم المقلّد في حال الاضطرار هو العمل بأقوى الأمارات في نظر المجتهد من الشهرة المحققة ، ثم الإجماع المنقول ، ثمّ الشهرة المحكيّة ، ثمّ أعلم الأموات ، حافظا للترتيب بينها. فإن اقتدر على تعيينه بأن كان قد سأله قبل الاضطرار أو تمكّن من السؤال عن تشخيص أقواها لم تبعد عنها جدّا وإن ظنّ بخلافه. وإن عجز عن تعيين ذلك ، فالمتّبع هو الظنّ الشخصي من أي شيء حصل.
__________________
(١) انظر الرسائل الفقهيّة : ٢٧.