وثالثة : بأنّ المرجحيّة أمر توقيفيّ كالحجيّة ، فلا بدّ في ثبوتها لشيء من قيام دليل شرعيّ عليها ، فمقتضى الأصل عدمها حتى ثبت (١).
وأنت إذا تأمّلت في الأصل الذي قرّرنا علمت أنّ هذه الاصول ممّا ليس في محلّها.
أمّا الأوّل ، فلأنّ التخيير الثابت في حال التساوي إنّما كان باعتبار القطع بعدم ترجيح أحدهما على الآخر في العلم ، ونحوه مما يشكّ في كونه مرجّحا ، فحيث زال القطع بعدم ترجيح أحدهما على الآخر في العلم ونحوه ممّا يشكّ في كونه مرجّحا ، فحيث زال القطع المزبور بحدوث ما يحتمل كونه مرجّحا ، أعني الفضل في أحدهما ، امتنع الاستصحاب ، نظير الحكم بنجاسة الحيوان المشكوك في طهارته ونجاسته شرعا باعتبار استصحاب النجاسة الحاصلة له حين التولّد بملاقاة الدم.
فان قلت : نحن لا نستصحب التخيير ، بل نستصحب جواز الرجوع إلى المفضول الثابت له قبل حدوث الفضل للآخر ، فإنّ هذا الجواز كان مناطه صفة الاجتهاد والعلم القائمين به ، وهما باقيان بعد حدوثه كما لا يخفى.
قلنا : هذا الجواز الإباحي المقابل للأحكام الأربعة (٢) ، بل المراد به الوجوب التخييري ، وتسميته جوازا إنّما هو باعتبار الرخصة في تركه إلى بدل ، فالمحذور باق بحاله كما لا يخفى.
وأمّا الثاني ، فلأنّ الشك في التعيين والتخيير يتصوّر في مقامات : أحدها : أن يكون التخيير المشكوك فيه التخيير العقلي العارض للأفراد عند
__________________
(١) كذا ، والصحيح : يثبت.
(٢) المعنى غير مستقيم ، ولعلّه كان هكذا : هذا الجواز ليس الإباحي ....