الاحتمال بالإطلاق أو العموم فضلا عمّا لو التزمنا بالحجّية عند الاختلاف واحتملنا ترجيع أحد المتخالفين على الآخر باعتبار ما فيه من المزيّة التي ليست في الآخر ، ألا ترى أنّه إذا قيل للمرضى : ارجعوا إلى أهل الطبّ في مقام بيان المرجع لم يستفد منه إلاّ عدم جواز الاستعلاج من غير هذا الجنس ، بحيث لو اختلف الأطبّاء في المعالجة فربما يتوقّف حينئذ في أصل مرجعيتهم رأسا ، فضلا عن مرجعيّة كلّ واحد على سبيل التخيير. وهذا مثل المطلقات الواردة في بيان حكم آخر التي لا يرتفع منها شيء من جهات الشكّ. ويؤيّده : أنّ السؤال ثانيا عن حكم اختلاف المرجع حينئذ ليس ممّا علم جوابه من الحكم الأوّل ، بحيث لو حكم بعدم كونهم مرجعا رأسا أو بمرجعيّة خصوص أحد المتخالفين عينا لم يكن منافيا لما تقدّم من الأمر بالرجوع إليهم كما لا يخفى.
ومنها : ما دلّ على وجوب الرجوع إلى كلّ واحد واحد عينا على قيام العام الاصولي ، فيستفاد منه : أنّ كلّ واحد من العلماء حجيّته شأنيّة لو لا المعارض ، وأمّا معه فلا دلالة فيه أيضا على حكم ؛ لأنّ الحكم بدخول المتعارضين معا تحته ممتنع ، وتعيّن أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، مثل ما إذا وجب إنقاذ كلّ غريق عينا ووقع المزاحمة بين الإنقاذين ، فإنّ الدليل الدالّ على إنقاذ الغرقى ممّا لا سبيل إلى تناوله لهما معا ، ولا لأحدهما المعيّن ، بل الغير المعيّن ، فيرجع الأمر في الترجيح أو التخيير إلى ما رآه العقل ، وقد عرفت فيما تقدّم آنفا أنّ شغل العقل في مثل هذا التخيير الوقوف عند ما يحتمل رجحانه على الآخر ، ولو سلّم حكمه بالتخيير حينئذ فهذا خروج عن الاحتجاج بالإطلاقات كما لا يخفى ، ومن هذا الباب آية النفر (١) وآية الكتمان (٢) وقول الحجة ـ صلوات الله
__________________
(١) التوبة : ١٢٢.
(٢) البقرة : ١٥٩.