عليه وعجّل الله فرجه ـ في التوقيع الشريف : « فارجعوا إلى رواة أحاديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله » (١) ؛ فإنّ قضيّة الآيتين وجوب الحذر والقبول عقيب كلّ إنذار وإظهار ، وكذا قوله عليهالسلام : « فإنّهم حجّتي » يدلّ على حجّية كلّ واحد من الرواة عينا بحسب الشأن الملحوظ فيه عدم المعارض ، وأمّا معا فلا يستفاد حجّية أحد المتعارضين منه تعيينا ولا تخييرا. نعم يحكم العقل فيه بالتخيير إذا علم بالتساوي في الاهتمام.
وبالجملة : هذا القسم والقسم الأوّل لا يتفاوتان في إفادة التخيير الشرعي بين الحجّتين المتعارضتين حتى يتناولا بإطلاقهما موضع النزاع ، أعني تعارض الفاضل والمفضول.
ومنها : ما لا يأبى عن الدلالة على التخيير الشرعي بينهما في نفسه لو لم يكن قد ورد في مقام بيان حكم آخر ، فالفرق بينه وبين الاولتين أنّهما قاصرتان عن إفادة التخيير شأنا بخلاف هذا القسم ؛ فإنّ له أهلية لذلك لو كان المقام مقتضيا له. ومن هذا القبيل قوله عليهالسلام في خبر أبي خديجة المتقدم إليه الإشارة : « ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا ... » (٢) فإنّ إطلاق « الرجل » يتناول كلّ واحد من المتعارضين ، فيكون دليلا على التخيير الشرعي ؛ فإنّ امتثال الأوامر المطلقة يحصل بإتيان بعض الأفراد مخيّرا بينهما ؛ لأنّ قاعدة الإطلاق وقبح الإغراء بالجهل يقتضيان البناء على التخيير في مقام الامتثال ، ولا ينافي كونه تخييرا شرعيّا تسميته تخييرا عقليّا أيضا ؛ لأنّ المراد به استناد التخيير إلى حكم العقل المستند إلى الإطلاق وقبح الإغراء بالجهل.
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ١٠١ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩.
(٢) الوسائل ١٨ : ٤ ، الباب الأوّل ، الحديث ٥.