ومثله ما في مقبولة عمر بن حنظلة : « لكن انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ... » (١) وقول العسكري ( صلوات الله عليه ) في رواية الاحتجاج المرويّة عن تفسيره عليهالسلام : « وأمّا من كان من الفقهاء صائنا لدينه وحافظا لنفسه كاسرا لهواه تابعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه » (٢) فإنّ الظاهر من الموصول جنس للفرد دون الجمع والاستغراق. والمعنى : أنّ للعوام تقليد أحد من الفقهاء الموصوفين بالأوصاف المزبورة ، وهذا يشمل بإطلاقه صورة الاختلاف كما مرّ. وروي : أنّ أبا الحسن عليهالسلام كتب جوابا عن السؤال عمّن يعتمد عليه في الدين : « اعتمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا كثير القدم في أمرنا » (٣). وهذا أيضا يدلّ على التخيير ، مثل قوله : « انظروا إلى رجل ... » ؛ لأن الاعتماد على كلّ واحد من أفراد « الرجل » عينا لا يجوز الأمر به جدّا ، فينزّل على التخيير.
والجواب عن هذه الأخبار ونحوها مما يشاركها في إفادة التخيير : أنّها قد وردت نهيا عن الرجوع إلى فقهاء المخالفين ورواتهم وحكّامهم ، فلا يستفاد منها سوى جعل فقهاء الشيعة مرجعا لعوامهم ؛ لعدم ورودها على هذا التقدير في مقام بيان الحجّية العقليّة حتى يتمسّك بإطلاقها ، بل في مقام تشخيص طائفة المرجع من غيرها في الجملة. وممّا يدلّ على ذلك : أنّ عمر بن حنظلة سأل ثانيا عن حكم صورة الاختلاف ، فقال : « فإن اختار كلّ منهما ـ أي المتحاكمين ـ
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ٩٩ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل.
(٢) الاحتجاج ٢ : ٢٦٣ ، وانظر التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ١٤٣ ، الحديث ١٤٣.
(٣) الوسائل ١٨ : ١١٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٥.