الأمارة إمّا تحصل باعتبار ما فيها نفسها من الأوصاف المقربة للواقع كالأعلميّة والأورعيّة والأوثقيّة ونحوها من المرجّحات الداخليّة والمفروض عدم كون هذه الظنون كذلك ، أو باعتبار تعاضدها بمثلها ، أو بأقواها من الأمارات المعتبرة الثابت حجّيتها بدليل قاطع ، والمفروض عدم كونها كذلك أيضا ؛ فإنّ الشهرة مثلا على القول بأنّ وظيفة المقلّد هو التقليد دون العمل بمطلق الظنّ ، ليس من الأمارات المعتبرة في حقّ المقلّد فمن أين يحصل بسببها قوّة في قول الأدون تتكافأ قوّة الظنّ الموجودة في قول الأعلم.
وأمّا ما ذكره الفاضلان النراقي (١) والقمّي (٢) رحمهما الله : من أنّ موافقة قول المفضول أحيانا لقول المجتهدين الآخر ربّما توجب القوّة في الظنّ الحاصل من قوله.
ففيه : أنّ ذلك المجتهد المفروض موافقة قوله لقول الأدون إن كان أعلم ممّن فرض أعلميّته عن الأدون أو لا تعيّن عليه العمل بقوله ، وإلاّ فلا أثر في موافقته جدّا ؛ لأنّ توافق أقوال المجتهدين ليس كتعارض الأخبار في الغلبة على المعارض ؛ لأنّ مناط القوّة والضعف في كلّ منهما شيء وراء المناط في الآخر ، فالمدار في قوّة الأقوال حسن نظر صاحبها ومهارته في تميّز (٣) الصواب والخطأ في الامور الاجتهادية ، ومناط قوّة الرواية تحرّز الراوي عن الكذب واكتناف الرواية بما يؤكّد الظنّ بصدورها ، فإذا توافق الأدونان لم يترتّب على موافقتهما شيء لا يترتّب على صورة المخالفة ، فالظنّ الحاصل من قول الأعلم المعارض
__________________
(١) المناهج : ٣٠٠.
(٢) القوانين ٢ : ٢٤٦.
(٣) كذا ، والمناسب : تمييز.