فإن قلت : إذا كان التأكيد معقولا فلا مانع من احتماله في المحلّ القابل أيضا ، فعلى المستدلّ رفع ذلك الاحتمال بالدليل.
قلت : إنّ ملاحظة الأسباب العقليّة رافعة لهذا الاحتمال ، فإنّه إذا فرضنا سببيّة كلّيّ لكلّيّ آخر قابل للتعدّد لا يعقل التأكيد ، إذ على تقديره لا دليل على وجود الأفراد المتعدّدة ، مع أنّه مشاهد بالعيان في الأسباب العقليّة. فظهر أنّ المانع إنّما هو اعتبار وحدة المحلّ سواء كانت الوحدة شخصيّة أو نوعيّة. والحاصل أنّ السبب الأوّل يقتضي اشتغال ذمّة المكلّف بإيجاد الطبيعة المهملة ، والمفروض مماثلة السبب الثاني للأوّل في التأثير والمسبّب ، فيقتضي اشتغال الذمّة تارة اخرى ، كما في الأسباب العقليّة.
نعم ، ما ذكره يتمّ في الأوامر الابتدائيّة مع قبول المحلّ أيضا ، لأنّ مجرّد القابليّة غير قاضية بالتعدّد ، بل إنّما يحتاج إلى ما يقتضيه ، والاشتغال الحاصل بالأمر الثاني فيها لا نسلّم مغايرته للأمر الأوّل حتّى يكون مقتضيا للتعدّد ، لاحتمال التأكيد الموافق لظاهر الأمر بالطبيعة ، كما أشرنا إليه سابقا.
هذا إن اريد من التأكيد المحتمل في المقام تأكيد مرتبة الطلب والوجوب وإن كان حصوله بواسطة لحوق جهة مغايرة للجهة الاولى ، كما في التأكيد الحاصل بالتحريم للإفطار في نهار رمضان من جهتين. وإن اريد التأكيد نحو الحاصل في الأوامر المتعدّدة الابتدائيّة كالأوامر المتعلّقة بالصلاة في الكتاب والسنّة ، ففساده أظهر من أن يخفى وإن كان يوهمه بعض عباراتهم ويتعاطونه طلبة عصرنا ، فإنّ الأمر الثاني مرتّب على الأمر الأوّل ووارد في مورده في التأكيدات ، كما هو ظاهر. وذلك بخلاف ما نحن فيه ضرورة حصول الاشتغال والوجوب على وجه التعدّد قبل وجود السبب بنفس الكلام