فإن أراد أن مجرّد انصراف المطلق إلى الأفراد الشائعة الغالبة ينهض وجها في عدم إرادة التخصيص من التوصيف مع إمكان إرادة التخصيص في الوصف الغالب أيضا ، فهو مطالب بالفرق بين المقامين ، حيث إنّه لا يعتبر التخصيص في الوصف الغالب ويعتبر في غيره مع إمكانه.
فإن قلت : إنّ الوصف الغالب بمنزلة الوصف المساوي للموصوف ، فكما لا وجه لاعتبار التخصيص فيه كذلك فيما إذا كان الوصف غالبيّا.
قلت : يمكن تصحيح ذلك فيما لو قلنا بأنّ الانصراف في المطلق ينزّل منزلة التخصيص اللفظي ، فيكون الوصف مساويا حينئذ. وأمّا لو لم نقل به أو قلنا ولكن لا في جميع مراتب التشكيك ـ كما ستعرفه في محلّه إن شاء الله ـ فلا وجه لذلك ، لإمكان إرادة إخراج الفرد النادر عن مورد الحكم وإثبات خلاف الحكم له ، كما هو مقتضى المفهوم.
وإن أراد أنّ الوصف الغالبي مع إرادة التخصيص منه واختصاص محلّ الحكم في الموصوف لا وجه لاعتبار المفهوم فيه نظرا إلى أنّ النادر إنّما هو المحتاج حكمه إلى التنبيه ـ إلى آخر ما ذكره في التعليل ـ ففيه : ما أورده بعضهم بأنّ غاية ما يلزم من انصراف المطلق إلى الفرد الغالب اختصاص الحكم به ، وهو غير الدلالة على الانتفاء. فيمكن أن يكون التقييد بالوصف الغالب للدلالة على المفهوم على القول به في غيره ، بل المقام أولى به من غيره ، لانتفاء بعض الفوائد التي لأجل احتمالها طرحنا القول بالمفهوم ، كما لا يخفى.
لكنّ الإنصاف أنّ الظاهر من كلامه هو أنّ الغلبة في الوصف مانعة عن إرادة التخصيص به ، وبعد عدم إرادة التخصيص من الوصف لا يعقل ثبوت المفهوم ، لأنّ الانتفاء فرع الاختصاص ، إلاّ أنّه بعد مطالب بالفرق ، كما لا يخفى.