ومع ذلك فلا يخلو ما ذكره التفتازاني عن شيء ؛ نظرا إلى ظاهر كلام القاموس والصحاح ، حيث جعلا من معاني الغاية مدى الشيء ، فلا حاجة إلى ارتكاب التأويل فيها. ولو قلنا بأنّه لا يزيد على مجرّد الاستعمال فالظاهر أنّه من توابع استعمال الغاية فيما هو المقصود ؛ نظرا إلى أنّ غاية الشيء إنّما هي مقصودة ، فتدبّر في المقام.
ثمّ المقصود فيما نحن بصدده يحتمل أن يكون النهاية ، كأن يقال : إنّ الحكم المفروض نهايته بإحدى آلات النهاية ـ مثل لفظ « حتّى » أو « إلى » ـ ينتفي بعد حصول النهاية أو لا؟ ويحتمل أن يكون المراد منه مدخول لفظ « إلى » و « حتّى ».
والفرق بينهما : أنّ مدخول لفظ « إلى » و « حتّى » لا يلزم أن يكون نهاية على الحقيقة ، فإنّ مدخول تلك الآلات قد يكون ممّا يشتمل على أجزاء من الامور الممتدّة كالكوفة في قولك : « سر من البصرة إلى الكوفة » والليل في قوله تعالى : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ )(١) وقد لا يكون كذلك. فظهر أنّ مدخول الأداة لا يجب أن يكون نهاية.
ثمّ إنّ على الثاني لا إشكال. وعلى الأوّل فقد وقع الخلاف بينهم في أنّ الحكم المنطوقي الثابت لما قبل الغاية هل هو ثابت لنفس الغاية أو لا؟ ولا وجه لما زعمه البعض : من أنّه لو قيل بخروج الغاية كان النزاع المذكور في العنوان أوّلا غير متصوّر ، لأنّ اللفظ إذا دلّ على نفس الغاية كان ما بعدها أولى بالخروج ، فإنّ ذلك خلط بين النزاع في ثبوت المفهوم للغاية وبين دلالة المنطوق على ثبوت الحكم لنفس الغاية ، ولعلّه ظاهر.
__________________
(١) البقرة : ١٨٧.