ثمّ إنّ ظاهر التفتازاني : أنّ استعمال الغاية في المسافة إنّما هو مجاز عن النهاية.
واعترض عليه : بأنّ نهاية الشيء هو ضدّه ، وضدّ الشيء لا يكون جزءا منه ، فلا وجه لقوله : « إطلاقا لاسم الجزء على الكلّ ».
وأجاب عنه الچلبي : بأنّ الجزء المجاور للنهاية اطلق عليه « النهاية » من باب علاقة المجاورة ، ثم اطلق ذلك الاسم على الكلّ ، فيكون مجازا بمرتبتين ، وهو غير عزيز. ثمّ وجّه الاستعمال المذكور : بأنّ المراد من الغاية هو الحدّ وإضافة الابتداء والانتهاء إليه بيانيّة ، من قبيل إضافة الفرد إلى الجنس (١).
وفيه ما لا يخفى ؛ لأنّ انسباك المجاز عن مثله على تقدير جوازه عزيز الوجود جدّا ، مع أنّ الظاهر في الإضافة أن تكون لاميّة ، مضافا إلى أنّ استعمال الغاية في مطلق الحدّ الشامل للابتداء ممّا لم نقف عليه إلى الآن.
فالأولى في دفع الاعتراض عمّا أفاده التفتازاني : المنع من أنّ نهاية الشيء هو ضدّه ، بل النهاية ليست إلاّ أمرا اعتباريّا يصحّ انتزاعه من الشيء بعد فرض انقطاعه بملاحظة ما يغايره ويضادّه ، كالبداية ، فإنّها أيضا أمر منتزع من الشيء الممتدّ في أوّل أجزاء وجوده بملاحظة ما يغايره قبله. وهذا الأمر المنتزع وإن لم يكن جزءا من الشيء ، إلاّ أنّ منشأ انتزاع جزء منه كمنشإ انتزاع البداية أيضا. نعم ، حيث إنّه قلنا بامتناع الجزء الجوهري فلا بدّ أن لا يكون منشأ الانتزاع موجودا فعليّا في ذلك الممتدّ ، بل يجب أن يكون مفروضا كما في سائر الأقسام الفرضيّة.
__________________
(١) لم نعثر عليه.