وفصّل بعضهم : بين ما إذا كان ما قبل الغاية وما بعدها متّحدين في الجنس فقال بالدخول ، وبين غيره (١). وهنا أقوال أخر.
ولعلّ الأظهر بمقتضى لفظ « النهاية » الدخول مطلقا ، حيث قد عرفت من أنّها الأمر المنتزع عمّا نفرض جزءا أخيرا للشيء المفروض امتداده بملاحظة ما يغايره ويضادّه في الأغلب. ومنه يظهر حال الابتداء في كلمة الابتداء ، فإنّه أيضا ينتزع من الجزء الأوّل للشيء.
إلاّ أنّ ذلك لا يجدي فيما هو محلّ الكلام ؛ إذ لا يعقل النزاع المذكور فيما إذا كان مدخول « حتّى » أو « إلى » نهاية بالمعنى المذكور ، بل لا بدّ من أن يكون ذلك المدخول ممّا يفرض له أجزاء كثيرة ـ مثلا ـ كما نبّهنا عليه. وذلك لا يكون نهاية في الحقيقة ، بل هو تسامح في جعل ما ينتهي عنده الشيء المغاير له نهاية ، إذ من الواضح افتراق « ما به ينتهي الشيء » وهو النهاية و « ما ينتهي عنده الشيء » وهو الضدّ على ما زعمه المعترض المتقدّم.
وتوضيح المطلب : أنّ أدوات النهاية إنّما هي موضوعة لأن يلاحظ حال ما لحقت به من الأفعال على وجه النهاية ، ولا ريب في أنّ النهاية الحقيقيّة غير قابلة لأن ينازع في دخولها في ذيها ، لا نفسها ولا ما ينتزع منها. أمّا الأوّل فلكونه أمرا اعتباريّا. وأمّا الثاني فلبداهة دخول جزء الشيء فيه. وقد يستعمل تلك الأدوات فيما ليست نهاية حقيقيّة ، بل ولعلّ أغلب موارد استعمالها كذلك ، فيكون مدخول الأدوات نهاية تسامحيّة ، فيمكن أن ينازع فيه بالدخول وعدمه. إلاّ أنّ الأظهر خروج مثل هذه الغاية عمّا قبلها ، ولذلك ذهب إليه الأكثر واستظهره نجم الأئمة ، والتعليل الّذي استند إليه حينئذ في محلّه.
__________________
(١) نسبه في إشارات الاصول ١ : ٢٤٣ إلى المبرّد ، ومثله في هداية المسترشدين ٢ : ٥١٥.