قلت : لو سلّم ما ذكر فإنّما يفيد وجوب توطين النفس على أداء الواجب بعد حصول وجوبه ، ولا يستلزم ذلك وجوب التلبّس بشيء من مقدماته قبل فعليّة الوجوب ، بل إنّما يراعى فيه حال تعلق الوجوب ، فإن كان باقيا فيه على صفات التكليف تعلّق الوجوب ، وإلّا فلا تكليف.
وما ذكر من قضاء العرف والعقل بوجوب المقدمة في مثله قبل وجوب الفعل مدفوع ، بأن وجوب الفعل في وقته مشروط قطعا بالتمكّن منه ، فإن كان وقت الوجوب متمكّنا من الفعل يشمله الخطاب ، وإلّا لم يتعلّق به.
وحينئذ فلا دليل على وجوب جعل الانسان نفسه من المشمولين للخطاب ، فعلى هذا من علم أنّه لا يتمكّن في الوقت من الطهارة المائية أو غيرها أيضا لا يجب عليه تقديم الوضوء ، بل ويجوز له إهراق الماء المملوك له أيضا.
ومن الغريب ما ذكره صاحب الحدائق (١) من وجوب الوضوء قبل الوقت ؛ نظرا إلى توقف الفعل عليه في أوّله. وقد اشتمل النصّ الصحيح على تعليق وجوبه بدخول الوقت. وفيه أيضا دلالة على ما قلناه.
والتحقيق في المقام أن يقال بالفرق بين ما توجّه الخطاب إلى المكلّف فعلا وإن كان المطلوب إيقاعه في زمان معيّن ، وما لم يتوجّه به خطاب أصلا قبل مجيء زمان الفعل ، فالأوّل يجب تقديم مقدمته لوجوب الفعل عليه وإن لم يحضر زمان فعله كالحج ، والثاني إنّما يجب مقدمته بعد مجيء زمان الفعل وتوجّه الخطاب.
فالصوم من القبيل الأوّل بخلاف الصلاة ؛ لظاهر النصّ المذكور وغيره ، فليس وجوب المقدمة فيما ذكرنا مسقطا عن وجوب ذي المقدمة ، غاية الأمر أن يكون وجوبها في زمان لا يصحّ فيها إيقاع ذيها ، ولا مانع منه بوجه ؛ إذ ما دلّ على وجوب المقدمة يدلّ عليه في الصورتين.
__________________
(١) الحدائق الناضرة ٢ / ١٢٨.