والاعتراض المتقدم جار في المقام ، مضافا إلى عدم دلالته على وجوب الاستقبال وإنما يفيد كيفيّته.
وقد يقال : إنّ المستفاد منها مطلوبية الاستقبال في الجملة ، وهو ظاهر في الوجوب حتى يثبت الإذن في الترك.
وهو كما ترى.
وفي قوله : « ولا تجعله معترضا كما تجعله (١) الناس » إشارة إلى أن ذلك في حال الاحتضار ، فإنهم يوجّهون الميت حال احتضاره على الوجه المذكور.
ورواية ابراهيم الشعيري ، عن الصادق عليهالسلام أنه قال في توجيه الميت : « يستقبل بوجهه القبلة ويجعل قدميه مما يلي القبلة » (٢).
وهي أيضا واردة في بيان كيفية التوجيه لا حكمه ؛ لكنّها لا تخلو من (٣) تأييد لما ذكرناه.
وفي الدعائم عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « من الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر » (٤).
حجة القول بالاستحباب الأصل ، وعدم وضوح دلالة الأخبار على وجوب الاستقبال حين الاحتضار ، بل إشعار بعضها بالاستحباب حسبما مرّ ذكره.
ويدفعها ما عرفت من دلالة الأخبار عليه سيّما بعد الاعتضاد بفهم الجماعة.
وربما يورد عليها أيضا بأنه لو بني على كون مورد تلك الأخبار ما بعد الموت حسبما مرّ الكلام فيه كان الحكم في الاستحباب قبل تحقيق الموت خاليا عن الدليل ، فلا وجه إذن لحكم هؤلاء بالاستحباب ؛ إذ هو أيضا حكم شرعي يتوقف على قيام دليل شرعي عليه.
وفيه : أنّ الرواية الأولى قد دلّت على ثبوت الرجحان في خصوص المحتضر ، وضعفها
__________________
(١) في ( د ) : « يجعله ».
(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٢٨٥.
(٣) في ( د ) : « عن ».
(٤) دعائم الإسلام ١ / ٢١٩.