العمل بمقتضياتها والاعتماد على كلّيّاتها وجزئيّاتها في أصليّاتها وفرعيّاتها ، فإذا استفرغ المجتهد وسعه وبذل جهده في تلك الأدلّة المقرّرة فما وضح لديه سبيله وصحّ عنده دليله فهو حكم الله في حقِّه ظاهراً ، سواء طابق الواقع أم لا ، فحصول القطع عنده حينئذ بتكليفه بما ظهر له منها للعقل القاطع الدالّ على قبح التكليف بما لا يطاق.
فالفقه حينئذ العلم بالأحكام الظاهريّة الشرعيّة الفرعيّة المأخوذة عن الأدلّة التفصيليّة ، فيندفع ما أُورد به على العلّامة رفع الله مقامه حيث أجاب بأنّ الظنَّ في طريق الحكم لا فيه نفسه ، وظنّيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم بـ ( أنّ هذا لا يتمّ إلّا على أصل المصوّبة القائلين بتعدّد الأحكام الواقعيّة بتعدّد آراء المجتهدين في كلّ قضيّة ، لأنّه إنّما يتمّ لو لم يرد الظاهريّة ، ولا ريب في اختلافها باختلاف الأنظار القويّة ، كما لا ريب في كونها حينئذ أحكاماً شرعيّة وإنْ كانت على فرض المخالفة ثانويّة.
والفرق بين التصويب والتخطئة على فرض مطابقة الظاهري الواقعي أنّ الحكم بالامتثال في الأوّل أنّما يكون مع بقاء الجهل أو الغفلة ، وأمّا بعد الانكشاف فيرجع الأمر إلى التكليف بالثاني ، فإنْ بقي الوقت وجبت الإعادة لقاعدة الشغل اليقيني المستلزمة للبراءة اليقينيّة ، وإنْ خرج فإنْ كان ممّا قام الدليل على قضائه قضي ، وإلّا فلا ، إنْ قيل بافتقار القضاء إلى أمر جديد.
والسرّ في التلافي مع اقتضاء الأمر الإجزاء خلوّ الظاهري عن جهة الإتيان بما هو مراد الأمر وإنْ اشتمل على جهة الإتيان بما يعتقده كذلك ؛ لأنّ فعل المأمور به وترك المنهي عنه كما يكونان مراد الأمر كذلك الإتيان بما يعتقده طاعة من حيث إنّه طاعة وترك المخالفة من حيث إنّها مخالفة ، فمع فرض المطابقة تجتمع الجهتان ، ومع عدمها لا تحصل إلّا جهة الاعتقاد ، كما هو الحال في التكاليف الامتحانية ). كذا حقّقه بعض المحقّقين ، فليتأمّل وسيأتي إنْ شاء الله لهذا المقام في بحث الاجتهاد