التعسّف لا يغني عن التصرّف في الأحكام. وبالتأمّل في ما ذكرنا يعلم ما في الثالث بأدنى ملاحظة.
وعلى الرابع : إنّ العلم بالحكم النفس الأمري من حيث إنّه الحكم النفس الأمري لا يسمّى فقهاً إلّا مع اقترانه بوصف الظاهريّة ، فلا وجه للأعمّيّة.
وعلى الخامس :
أوّلاً : ما في الثالث من التعسّف في العلم.
وثانياً : إنّ العلم بمدلوليّة الأحكام لا يسمّى فقهاً ، إذ هو العلم بنفس المدلولات.
وثالثاً : إنّه مع الغضّ عن ذلك ينتقض الطرد بالمقلّد الممكن في حقّه العلم بمدلوليّة الأحكام للأدلّة ، وبالشكّيّات والوهميّات التي هي مجرى أُصول الفقاهة. والعكس بخروج الظّنيّات ، إذ المفروض البناء على الانسداد الأغلبي ، فكما لا طريق إلى العلم بالأحكام الواقعيّة ، كذا لا طريق إلى الظنّ بها في كثير من المسائل الفروعيّة.
إلّا إنّه لمّا ثبت بقاء التكليف بالأدلّة القطعيّة وجب الأخذ بمقتضيات الأدلّة الشرعيّة لا بشرط المطابقة الواقعيّة ، فإنّ كثيراً من الآيات والأخبار وأصالة البراءة والاستصحاب أنّما تفيد ثبوت الحكم في الظاهر ، مع وجوب البناء على مقتضياتها حتى يتبيّن الخلاف من غير خلاف وإنْ لم يعلم أو يظنّ مطابقتها للواقع ؛ للإذن في ذلك من الشارع.
وحينئذ ، فيلزم خروج مثل هذه الأحكام عن الفقه ، مع أنّ كثيراً من مسائله من هذا القبيل ، وهو خروج عن سواء السبيل ، فلا مناص عن الإشكال إلّا بصرف الأحكام عن الواقعيّة إلى مجرّد الظاهريّة ، ولا ضير فيه ولا عصبيّة.
وإنّ الأحكام المتعلّقة بالوقائع الحادثة على قسمين :
واقعي أوّلي : هو المكلّف به أوّلاً لولا طروّ الجهل المانع من التكليف به ، وهو ما جعله الشارع على وفق الصفات الكامنة والمصالح الظاهرة والباطنة.
وظاهري ثانوي : وهو ما يظهر من الأدلّة التي قرّرها الشارع وأوجب على الرعيّة