الأُصول.
وأمّا تردّد بعض الفقهاء أو توقّفه ففي مقام الاجتهاد لا الفتوى ؛ إمّا لانتفاء المدرك ، أو ضعفه ، أو معارضته بما لا يترجّح عليه ، وهو دليل قوّة الملكة لا ضعفها ، إذ سعة الباع وكثرة الاطّلاع ينشأ منهما تضعيف القويّ وتقوية الضعيف في ظاهر الحال بإبداء وإزالة وجوه الإشكال ، كما هو المشاهد من حال المحقّقين الأبدال.
وتارةً باختيار الثاني ، ومنع فساد الطرد ؛ إمّا على التجزّي ؛ فلدخول العلم المذكور ، وإمّا على عدمه ؛ فلمنع العلم بالبعض حينئذ ، وإلّا لعلم الكلّ ، إذ لا يتصوّر انفكاك العلم ببعض الأحكام عن أدلّتها عن الاجتهاد ، وإمّا لأنّ العلم أو الظنّ المعتبر بالبعض لا يحصلان إلّا بالإحاطة بكلّ الأدلّة ، وهي لا تحصل إلّا للمجتهد المطلق ، وإمّا لأنّ العلم القطعي بحكم من الأحكام لا يحصل من الأمارات بناءً على جعل الدليل بمعنى الأمارة والعلم بمعنى القطع إلّا له ؛ للإجماع على أنّ ما أدّى إليه ظنّه حكم الله في حقّه وحق مقلّده بخلاف غيره.
هذا ، ويرد على الأوّل :
أوّلاً : إنّه لو كان العلم هنا بمعنى المَلَكَة ، لصحّ صدق الفقيه على ذيها وإنْ لم يعلم شيئاً من الأحكام الشرعيّة ؛ لعدم التلازم بين حصولها وتحصيل الأحكام فعلاً ، وهو ممّا لا وجه له أصلاً.
وثانياً : إنّ إطلاق العلم على مجرّد المَلَكَة ليس ظاهراً في الإطلاقات ولا متداولاً في المحاورات ، وإنّما الشائع غالباً إطلاقها على المَلَكَة مع حصول فعليّة معتدّ بها لا مطلقاً ، وكلام المجيب خالٍ منه ، اللهمَّ إلّا أن يقال : إنّ مبنى الجواب عليه.
وثالثاً : إنّا لو سلّمنا حمل العلم على المَلَكَة والقوّة القريبة لكنّه لا يصلح تفسيراً للفقه وإنْ صحّ حينئذ تعلّقه بجميع الأحكام ، إذ العلوم المدوّنة ليست أسماء لنفس الملكات ، وإنّما المنساق منها عند الإطلاقات نفس المسائل أو العلم بها ، لا تلك الكيفيّات لمقولة الملكات بالشكّيّات ؛ لتفاوتها شدّة وضعفاً ، بخلاف العلوم ،