فقول السائل مدّ ظلّه ـ : ( وإنّي لم أقف على تصريح فيه من أحد منهم ).
فأقول : هو كذلك كما تقدّم من كلامهم.
وأمّا قوله : ( إلّا إنّه الظاهر من أكثر عباراتهم في التخطئة ) فغير مسلّم بعد ما عرف من كلام مَن استشهد به السائل ، كـ ( الحدائق ) وكلام صاحب ( المفاتيح ) في ( الحقائق ).
وأمّا كتاب ( هداية الأبرار ) فلم نقف عليه حتى نعرف مراده ، وأمّا مقدّمات ( شرح المفاتيح ) فلا ندري أيّ شروحها وجهاً أُريدَ ، لكن الموجود بين أيدينا شرحٌ لشيخنا الشيخ سليمان بن عبد الجبّار ولم نرَ فيه ما يخالف ما تقدّم ويوافق ما ذكرتم.
والظاهر أنّ المحلّ المحال عليه في ( المفاتيح ) هو قوله في أوّل ديباجته : ( فمَنْ كان منّا من أهل الخير والبرّ ، وهم الذين يأتون البيوت من أبوابها ، فلا يدخل باباً من أبواب الشرع إلّا بعد المعرفة بمفتاحه ، بأنْ يكون على بصيرة فيه ، كراوي حديثهم الناظر في الحلال والحرام ، العارف بالأحكام ، أو على استبصار كالمقلّد لذلك العالم ، فهو ممّن فاز بالدين.
ومَنْ لا يعرف الهِرّ من البِرّ (١) ، وهم الذين يأتون البيوت من ظهورها ، فيدخل فيه من غير معرفة ، بل يبني على التخمين ، أو الاقتفاء لآراء الماضين مع اختلافهم الشديد ، واعتراف أكثرهم بعدم جواز تقليد الميّت ، وأن لا قول للميّتين وإنْ لم يأتوا في هذا بشيء مبين ، فهو في ريب من أمره وعوج ، وفي صدره من ذلك حرج ، أنْ لا تقبل منه صلاة ولا زكاة ولا حجّ ، إذ العامل على غير بصيرة كالسائر على غير المنهج ، بل لا يزيده كثرة السير إلّا بعداً ) (٢). انتهى كلامه ، زيد إكرامُهُ.
وهو غير كافٍ في إثباتِ مثل هذا المقام الذي هو مرحلة النقض والإبرام.
أمّا أوّلاً : فلاشتراك قوله : ( فمَنْ كان منّا إلى قوله فاز بالدين ) بين هذين الفريقين ؛ إذ المراد بإتيان البيوتِ من أبوابها أخذ أحكام شرائع الأنبياء من أوصيائهم الأعلام ،
__________________
(١) إشارة إلى المثل : ( فلان لا يعرف هِرّاً من بِرٍّ ) أي لا يعرف من يكرهه ممّن يبرُّه ، وهو كناية عن الجهل. الصحاح ٢ : ٨٥٣ باب الراء / فصل الهاء. بتصرف.
(٢) مفاتيح الشرائع ١ : ٣ ٤.