ثمّ خلفائهم الكرام ، كما ورد في تفسير الآية الكريمة (١) عن الأئمّة حجج العلّام على الأنام ، إذ انتهاء الاثني عشريّة على التمام إليهم عليهمالسلام ، ممّا لا يستره غمام الأوهام ، ولا يشوبُ نوره ظلام ، بل أغنى عن بيانه نور الصباح عن نور المصباح ، وفاح عليه عطر الحق النفّاح ولاح.
قال الشارحُ الشيخ سليمان في شرح هذا الكلام : ( والتحقيق في هذا المقام ما ذكره بعض فضلائنا الإعلام ، حيث قال : اعلم أنّه متى تحقّق الفقيه واتّصف بالأُمور المشروطة فيه ، واقتصر على محكم السنّة والكتاب ، وحبس نفسه على الأخبار في جميع الأبواب ، وجبَ على الرعيّة قبول ما يلقيه من الأحكام ؛ لأنّه في الحقيقة حاكٍ قول الإمام ، ولذلك ورد الأمر بقبول قول رواتهم والرجوع إليهم ، وأنّ الرادّ عليهم كالرادّ عليهم (٢).
وحينئذ ، لا فرق بين حياة مَنْ هذا شأنه ومماته ، لما عرفت من أنّه من جملة نقلة حكم المعصوم ورواته ، فهو كسائر الروايات المودعة في كتب الأخبار المنقولة بالمعنى عن الأئمّة الأطهار ، ولذلك كانت الأصحاب ترجع إلى فتاوى الفقيه علي بن بابويه عند إعواز نصوص السادة الأبرار.
ثمّ قال بعد إنهاء كلام هذا البعض من الأعلام : أقول : وهذا بعينه حال علمائنا المتقدّمين والمتأخّرين ، والمجتهدين والأخباريّين ، فإنّهم جميعاً أنّما يعتمدون على محكم السنّة والكتاب ، أو ما يرجع إليهما ويؤول بالآخرة إليهما ، ولا يتجاوزون ذلك إلى ما يخرج عنهما وإنْ اختلفت أنظار الفريقين في بعض المسائل ، وناقش بعضهم بعضاً في تطبيق الدلائل ، إلّا إنّ ذلك كلّه لا يوجب خروجاً عن مذهب أئمّتهم المعصومين عليهمالسلام ، بل إنّما نشأ من اختلاف الأنظار والأفهام التي تتفاوت فيها سائر
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) البقرة : ١٨٩ ، انظر تفسير العيّاشي ١ : ١٠٥ / ٢١١ ، ٢١٣.
(٢) الكافي ١ : ٦٧ / ١٠ ، الوسائل ٢٧ : ١٣٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ١.