وأُجيب بأنّ تبيانيّته لا تمنع من تبيانيّة غيره ، مع أنّ هذا لا يختصّ بالإجماع ، بل بالسنّة أيضاً.
وأمّا المانعون منّا فقالوا أيضاً : لا حجّة إلّا في الكتاب والسنّة ، وأمّا الإجماع فشيءٌ وضعته العامّة لمعارضته الكتاب والسنّة وإنْ استدلّوا على إثباته وحجّيّته بهما ، واحتجّوا على عدم الحجّيّة بوجوه :
الأوّل : ما تضمّنته عبارة السؤال من كونه قد لا يفيد ظنّاً فضلاً عن العلم ؛ لأنّه إن لم يكن قطعيّاً لم يكن دليلاً.
وأُجيب بأنّه إذا كان مناط الحجّيّة هو قول الإمام المعصوم عليهالسلام فهو كالخبر ، فكما تقولون بقطعيّة دلالة الخبر يلزمكم أنْ تقولوا بقطعيّة دلالة الإجماع ، وسيجيء أنّ دلالة الإجماع عند بعض أقوى من دلالة الخبر ؛ لقطعيّته وظنّيّة الخبر.
الثاني : ما تضمّنته عبارة السؤال أيضاً ـ : من مصادرة بعضه بعضاً ، فإنّ الشيخ والسيّد قد يدّعيان الإجماع على حكم ويخالفانه ، بل قد يدّعيانه على خلافه أيضاً.
وأُجيب بأنّ مخالفة ما يدّعى من الإجماع بحكم أو إجماع أنّما يكون لوجهين :
أحدهما : كون الإجماع منقولاً ، ولم يظهر الدليل الجازم على انحصار الحقّ فيه ، ولم يكن عنده مانع من النقيض ، فظهر له في وقت رجحان دليل حكم مطابق للإجماع المنقول ، فأيّد ذلك الدليل بنقل الإجماع ؛ لأنّه كالخبر ، بل أزيد كما قيل. وفي وقت آخر ظهر له دليل عكس ما قال سابقاً وهو مطابق لإجماع منقول غير الأوّل ، فأيّده بنقل ذلك الإجماع ولم يكن عنده مانع من النقيض وقد يكون.
فإنْ قيل : قد قلتم : إنّ النقل يشترط فيه الاطّلاع الابتدائي (١) ، وإذا كان الحال هذه امتنع النقلان أو أحدهما ، لامتناع اتّفاقين مختلفين.
قلنا : إنّا نقول بجواز النقلين المختلفين ؛ لاحتمال المحصّل الخاصّ في كليهما أو في أحدهما ، والإجماعات المحصّلة الخاصّة لا يشترط في تحقّقها الاتّفاق ليقع
__________________
(١) الاطّلاع الابتدائي : أن ينقل بداية أصل الإجماع من الزمن السابق إلى الزمن اللاحق. ( منه ).