والاحتمال لا يبطل الاستدلال إلّا إذا كان راجحاً أو مساوياً ، أمّا إذا كان مرجوحاً فلا ، مع أنّ خطأهم في فهم المراد خلاف الأصل ، وقد عُرِضَ كثيرٌ من كتبهم على أئمّتهم فاستحسنوها ودعوا لمصنّفيها ، ولم ينكروا فيها شيئاً ، ولو كان فيها ما يخالف المذهب لنبّهوا عليهمالسلام عليه لما تضمّنه قولهم : « كيما إنْ زاد المؤمنون [ شيئاً (١) ] ردّهم وإنْ نقصوا [ شيئاً (٢) ] أتمّه لهم » (٣). ولا يجوز للحجّة أنْ يهمل ما أُمر بإصلاحه مع العلم به ، إذ لا يجوز جهلهم شيئاً جعلوا قوّاماً عليه وحفظة له.
الثاني : أنّ قولهم : ( كما هو مشاهدٌ في كثير من المواضع ) ، ليس في محلّ النزاع ؛ لأنّ محلّ النزاع تحقّق الإجماع لا تحقّق الاجتماع ؛ لأنّا لا نقول بعدم السهو والغلط من أحد منهم ، لكنّا لا نقول إذا احتمل السهو امتنع الإجماع والحجّيّة.
الثالث : أنّ تجويز خطأ جماعة من الخواصّ الموثوق بضبطهم وشدّة تحرّزهم عن الغلط في أمر سمعوه من إمامهم بعيدٌ جدّاً.
الرابع : أنّ خطأهم في فهم مراد إمامهم يدخل في الروايات ؛ لأنّ منها ما هو منقولٌ بالمعنى ، فلو كان مجرّد تجويز خطئهم في فهم المراد يمنع من قبول فتواهم المسموع من أئمّتهم لكان ذلك مانعاً من قبول رواياتهم المنقولة بالمعنى ، وفتحُ هذا الباب يوجب عدم الوثوق بالروايات التي هي أصلُ أُصول الإماميّة ، وجواز العمل بها.
الخامس : أنّ هذا تشكيكٌ في النصوص الآمرة باتّباعهم وأخذ معالم الدين منهم ، فلا يلتفت إليها.
السادس ممّا احتجّوا به : أنّكم إذا قلتم : إنّهم لا يفتون إلّا بقول الإمام عليهالسلام ، لم تكن لهم فتاوى حتى يحصل الإجماع باتّفاقهم ، وإنّما فتاواهم متونُ الأخبار.
وأُجيب بأنّ هذا ممنوع ؛ لأنّهم كثيراً ما يفتون بالحكم ولا يصرّحون بإسناده إلى
__________________
(١) من المصدر.
(٢) من المصدر.
(٣) بصائر الدرجات : ٤٨٦ / ١٠.