فالجواب بأنّه لا قائل بالفرق مردودٌ ، بأنّ اللازم من ذلك الاستدلال بفرع من فروع حجّيّة الإجماع قبل ثبوت أصل حجيّتّه ) (١). انتهى ما يتعلّق من كلامه بالجواب عن أخبار الباب.
وأقول : الجواب ومن الله إصابة الصواب ـ : أمّا عن الإمكان الأوّل فبأنّهم عليهمالسلام منزّهون عن المجادلة بغير الأدلّة الثلاثة التي أمر الله بالجدال بها نبيّه في محكم كتابه ، بل إنّما أرادوا عليهمالسلام تأسيس أصل وتمهيد قاعدة لِمَنْ طلب الدليل وتبيين سواء السبيل ، على أنّ ما في خبري ( الاحتجاج ) لم يرد به الإلزام ؛ لأنّ المسألة فروعيّةٌ لا تعلّق لها مع العامّة بوجهٍ من الوجوه.
فإنْ قيل : قد جعل بعضٌ الجدل الإلزامي قسماً من المجادلة بالتي هي أحسن ، وهو أحد الطرق الثلاثة.
قلت : هذا غير مسلّم ؛ لأنّ من شروط الاستدلال بهذا الطريق إنصاف الخصم ، وإلّا انعكس الاسم ؛ ولأنّ كيفيّة الاستدلال به أنْ يكون على نحو لا يكون فيه إنكار حقّ وإنْ كان للخصم ، ولا على إبطال باطل بباطل ، فلو كان الإجماع باطلاً لم يجز احتجاج هؤلاء الأقطاب ولا علمائهم به بنصّ السنّة والكتاب ، إذ الالتجاء إلى الباطل لا يكون إلّا للجاهل ، ولا يجوز نسبته لسائر شيعتهم فكيف لهم!.
قيل للصادق عليهالسلام : يا ابن رسول الله ، ما الجدال بالتي هي أحسن ، والتي ليست بأحسن؟. فقال عليهالسلام : « أمّا الجدال بغير التي هي أحسن ، فإنْ تجادل مبطلاً فيورد عليك باطلاً فلا ترده بحجّة قد نصبها الله تعالى ، ولكن تجحد قوله أو تجحد حقّا يريد ذلك المبطل أنْ يعين به باطله ، فتجحد ذلك الحقّ مخافة أنْ يكون له عليك فيه حجّة ؛ لأنّك لا تدري كيف المخلص منه ، فذلك حرام على شيعتنا » (٢) .. إلى آخر كلامه عليهالسلام ، والتقريب فيه ظاهر.
وقد التجأ هذا الفاضل أيضاً في معنى حديث المهاجرين والأنصار مع علي
__________________
(١) الحدائق الناضرة ١ : ٣٩.
(٢) التفسير المنسوب للإمام العسكري عليهالسلام : ٥٢٨ ، البحار ٩ : ٢٥٦ / ١.