استدلّ به العامّة من الآيات ، فإنّا نقول بكلامهم في الإجماع ، وإنّما الخلاف في الحيثية ، فهم من حيث الاجتماع ونحن من حيث دخول المعصوم. والنقض عليهم أنّما هو لإرجاع ما استدلّوا به إلى ما نقول به ، فلا وجه لقوله قدّس الله سرّه بأنْ لا أصل له منهما بالمرّة.
فسرِّح بريد الفكر الوقّاد سالكاً جادّة الإنصاف وعدم العناد يتبيّن لك لُجَيْنُ (١) الكلام من لَجينهِ وهِجَانُه من هَجينهِ ، والله العالم والهادي في الغايات والمبادئ.
فإنْ قيل : إنّ في بعض هذه الأخبار إجماع الأُمّة ، وهو شاملٌ لإجماع العامّة.
قلنا : لا ينافي ما قلناه ؛ لأنّ المطلوب منها حجّيّة الإجماع وهي حاصلة ، غاية ما في الباب أنّهم يعتمدون إجماع الأُمّة ، ونحن نعتمد الإجماع الكاشف عن دخول قول المعصوم عليهالسلام ، ولهذا لو حصل اتّفاق كثيرين مع معلومي النسب ولم يكن فيهم مجهولٌ يجوز كونه الإمام ، لم يكن حجّةً.
فتبيّن أنّ الإجماع حجّةٌ ، وأنّ ما قاله غارس ( الحدائق ) من : ( أنّ الإجماع من مخترعات العامّة ) في غير محلّه. ولو لم يكن الإجماع حجّة لوقع النهي عن الأخذ به ، كما وقع عن الأخذ بالرأي والقياس والاستحسان ، ولم يحتجّوا به عليهمالسلام ، ولم يجعلوه كالمعيار عند تعارض الأخبار. وأمّا ما في رسالة الصادق عليهالسلام فقد عرفت الجواب عنه فراجع.
واحتجّ مَنْ خصّ الحجّيّة بزمن أصحاب الأئمّة بأنّهم لا يقولون إلّا بالنصّ وقربهم من أئمّتهم وعرفهم بعرف أئمّتهم ، وورود الروايات بمدحهم دون المتأخّرين ، فإنّهم كثيراً ما يفتون بغير النصّ.
وهو مردودٌ ؛ لأنّهم لا ينقلون الإجماع إلّا عن المتقدّمين ، فإذا حكمتم بأنّ المتقدّمين لا يقولون إلّا بالنصّ لزمكم كون إجماعات المتأخّرين مستندة إلى النصّ ؛ لأنّ المتأخّرين لا يجمعون في مقابلة اتّفاق المتقدّمين.
__________________
(١) اللُّجَيْنُ : الفضة ، اللَّجِين : الخَبَط ، الصحاح ٦ : ٢١٩٣ باب النون / فصل اللام.