وأمّا الاحتجاج بعرفهم عُرْف أئمّتهم ، فإنّ المتأخّرين كذلك بتعريفِ مَنْ تقدّمهم وبما وصل إليهم منهم من البيان ، فقد حازوا علم مَنْ تقدّمهم مع ما حصّلوه.
وكذا الاحتجاج بورود مدحهم ، فإنّ المتأخّرين لو كانوا في ذلك الزمن لأثنوا عليهم الثناء الجميل ، وليس مجرّد رواية الحديث موجباً للمدح ، بل هي مشروطة بالنظر والمعرفة ، وربَّ حامل فقه إلى مَنْ هو أفقه منه ، وقد قيل : « حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه » (١). وقال عليهالسلام : « [ قد (٢) ] روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا » (٣).
وقد روي عن الصادق عليهالسلام : « اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من روايتهم عنّا ، فإنّا لا نعدّ الفقيه منهم فقيهاً حتى يكون محدّثاً » ، فقيل له : أوَيكون المؤمن محدّثاً؟ قال : « يكون مفهّماً والمفهّم : المحدّث » (٤).
وقد اختصّ المتأخّرون بزيادة التحقيق ، ودقّة النظر ، وجودة الفهم ، ووسع الإحاطة وشدّة النقادة.
والاحتجاج بأنّ القدماء تتيسّر عليهم الأُصول دون المتأخّرين لا ينهض حجّة ؛ لأنّ المتأخّرين وإنْ لم تصل إليهم الأُصول فقد وصلت إليهم كُتُبُ مَنْ وصلت إليهم الأُصول ، وهي معتبرة كالأُصول بل أحسن ؛ لأنّ الأُصول ليس كلّها معتبراً ، وكتب المتأخّرين كلّها معتبرة ؛ لانتخابها من الأُصول المعتبرة ، فما اعتبر المتأخّرون إلّا ما هو معتمدٌ.
فظهر بما ذكرناه وتقرّر بما حرّرناه عدم اختصاص الحجّيّة بإجماع أصحاب الأئمّة عليهم سلام ربّ البريّة ؛ لأنّا لمّا شرطنا فيه الكشف عن قوله عليهالسلام فلا وجه لحصر حجّيّته في بعض الأعوام ، بل متى كشف تعيّن الأخذ به على الأنام من غير تخصيص ببعض السنين والأيام ، كما لا يخفى على اولي الأفهام.
__________________
(١) معاني الأخبار : ٢ / ٣.
(٢) في المخطوط : ( بعد ) ، وما أثبتناه من المصدر.
(٣) الكافي ١ : ٦٧ / ١٠ ، الوسائل ٢٧ : ١٣٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ١. باختلاف.
(٤) رجال الكشي ١ : ٦ / ٢ ، الوسائل ٢٧ : ١٤٩ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٣٨.